الفصل الرابع
فى الأيام التالية لاحظ طاهر تبدل على صحة سلمى التجانى ..أصابها نوع من الذبول ..ماذا ياترى حدث لها أهي مريضة هل تعانى من شيئا ما … كان طاهر يلتقى بها فى الصباح ولم يكن يذهب إلى المكتب فى تلك الأيام لانشغاله بالذهاب إلى الحقل فى عصر كل يوم بعد عودته من المدرسة ..
وفى ذات يوم …
كان طاهر يقف أمام كوم من الفول ويحمل كناسة ويقوم بدق الفول ..عملية دق الفول تتم بعد جمعه فى أكوام حيث يجمع بصفقه وجزوره وثمره ويتم جمع فى أكوام حتى ينشف … من بعيد لمح صديقه محمود مقبلا نحوه ..ابتسم لحضوره وحاول بسرعة الانتهاء من دق الكوم لان ثرثرة محمود لن تدعه يكمل العمل بسرعة ..عندما وصل محمود كان الكوم فى نهايته … امسك محمود بالكناسة وبداء فى مواصلة الدق ..واصل العمل حتى انتهى من دق الكوم .. ورمى بالكناسة بعيدا ..البلل
محمود : السلام عليكم مؤخرا
طاهر : وعليكم السلام ورحمة الله سلامك آتى متأخرا
محمود : أنا قصدت ذلك حتى انتهى من دق الكوم
طاهر : قدر لهذا الكوم
محمود : خمسة جوالات
طاهر :جائز …. واردف أنا قاعد هنا شايف السرابات ديلك ..وأشار بيده .. فى طرف ابوستة أمش جيب لينا عروق عشان نحرق الفول
محمود : بتكون أكلت جوال السنة دى (بدون قشر) وذهب ناحية ابوستة ومن بعيد قال لطاهر اذهب واحضر قش يابس
طاهر : القش موجود أولا اذهب أنت واحضر الفول
واحضر محمود عروق الفول الأخضر ..وبداء فى التقاط الحب ..ويقذف بعيدا بالعرق الذى ينتهى من التقاط الحب منه ..محمود : معاك كبريت
28
طاهر : طبعا
وضع طاهر كوم من القش اليابس ثم اخذ جذئا من الفول وبعثره على القش ثم وضع كوم آخر من القش ثم بعثر جزءا آخر من الفول وهكذا اصبح طبقة فول وطبقة قش
طاهر :طبعا أخوك معلم فى حرق الفول
محمود : ماهو باين
أحضر طاهر قصبة خضراء من طرف ابوستة واوقد النار فى الفول
اشتعلت النيران فى الفول وبداء اللهب يتصاعد والدخان يطير فى الهواء وبعد قليل امسك طاهر بالقصبة واصبح يقلب فى القش .والنيران تزداد اشتعالا وتسمع ….طق ..طق..طق صوت الفول الأخضر
طاهر : اخرج ..أخرج ..
محمود : يقال أن نار جهنم هذه النار بالنسبة لها شرارة فى سخونتها ..
طاهر : نحن فى إنتظار الرحمة
محمود : أيمكن أن نكون من سكان جهنم
طاهر : أعوز بالله ..فال الله ولا فالك
محمود : مش ممكن وجائز
طاهر : أن رحمة الله واسعة ..أنا أعتقد أننا اخذنا كفايتنا من العزاب فى دنيتنا
وبداء طاهر فى إهالة التراب على الفول حتى حتى أنظفأءت النيران واختفت ألسنة اللهب وخيوط الدخان لبسوا فترة يفكرون فى هذا الكنز النائم تحت التراب ..وبداء لعابهم يسيل لهذه الوليمة الدسمة أمسك طاهر بعود الغصب اللين وبداء فى تغليب التراب حتى ظهرت حبات الفول ذهبية اللون فى أستواء بديع ..أخذ فولة ونفخ فيها ..ثم رويدا ..رويدا بدأت الأضراس فى طحن الفول ..
الشمس تنحدر نحو المغيب وشمس الشتاء تبكر بالغروب
قال طاهر أملا جيوبك بالفول لمروة
محمود : ممكن لو سمحت حبات فول لسلمى التجانى
طاهر : وهل تاكل سلمى هذا الفول المعطر بالتراب
محمود : أنت تصورها كأنها من سكان القمر
29
طاهر : يا أخى معليش جايز تكون ما بتأكل الفول أصلا
محمود : أنا شايف أنك أنت واضع لها حجم كبير وربما يكون أكبر من حجمها ..ألم تسمع بما يقول أحبب حبيبك هونا عسى
طاهر : مهلك هى تستاهل
محمود : يستاهلك الخير
اراد طاهر تغيير الحديث فقال لمحمود تفتكر أسعار الفول السنة دى بتكون كويسة
محمود : أنشا الله بتكون كويسة ..البلد فيها مصانع الزيت وفيها العصارات الخاصة بالكوم ..وفيها أنت تعرف هناك ملاحظة إرتفاع الطلب على الدكوة ..إستهلاك المدن من الدكوة فى إزدياد مستمر وملحوظ ..خليك من الأن ياطاهر تعرف أنا عندى حدس ويقين بل إيمان راسخ أنو المستقبل لهذه الارض ..أى نعم أنا ليست لدى حواشة ولا أتمنى أن تكون لى حواشة ولكن صدقنى ياطاهر ..صدقنى المستقبل لهذه الأرض ..لكن متى الله أعلم
طاهر : ناس المدن ..تصور شكل البلد إذا لم يكن فيها مشروع الجزيرة (المرة الماسكة أربعة رجال ) على قول عمنا مصطفى الرجل الحكمة مشروع الجزيرة القطن ..القمح ..الفول الذرة هو بلا شك العمود الفقرى لإقتصاد البلد ..عشان كدة الحكومة نازلة ضرائب على المزارعين
محمود : نظريا الضرائب مهمة لتفكيك الملكية الفردية ..يعنى عايز المزارعين يتمتعوا بكل هذه الخيرات التى زكرتها بدون ضرائب ..
طاهر : أنا لست ضد الضرائب لكن يفترض تكون بأرقام معقولة إذا كان الخدمات التى تقدمها الحكومة خدمات بسيطة مثل الماء الذى يأتى من النيل ودون تعب مجرد سد وضع على النيل جاب حقوا زمان وربح بالكوم ..يجب أن تكون الحكاية معقولة
وضريبة ادارة لادارة نائمة ..تاخز الحكومة مليارات الجنيهات ..
محمود : ولكن هذا لايمنع وجود الضرائب وهى كماتعلم ضرائب دخل وضرائب توزيع الثروة
طاهر:اين هذه الثروة التى تتحدث عنها هل هى حمارنا الاعرج … ام العنزتان وخمسة جوالات العيش ..ام هى البلهارسيا التى تفتك بوالدى …
محمود : ثروة حاج الجعلى ..دقاقات ..تراكترات … لوارى .. بص يومى للخرطوم … اراضى فى البحر قطع سكنية فى الخرطوم كل سنة موديل جديد من العربات الخاصة ..بيوت فخمة فى حلة الجعلى ..بيت حاج الجعلى فى حلة الجعلى خمسة فدان ..حواشات هبل … كل هذا وأكثر
30
طاهر : حاج الجعلى هل كل الناس ذى حاج الجعلى ..فى كم حاج جعلى فى حلة الجعلى ..
محمود : انت علقت ولاشنو ..المهم اى قرية فيها حاج جعلى ..
طاهر :ابدا والله ولا فى كل قسم ..تجد حاج جعلى مثل حاج الجعلى هذا فلتة ..طفرة ..هذا شاذ والشاذ لاحكم به ..اذاكان الحكومة بتعتبرنا ذى حاج الجعلى ..هذا منوال الاحصاء ..هناك سواق حاج الجعلى ..وشريك حاج الجعلى ..وراعى حاج الجعلى ..وراعى العجول والخدم والحشم ..
….ما هكذا تكون القسمة يامحمود..وماهكذا يرضى الفقراء بان يتساوى مع الاغنياء .انا اجزم بان راعى حاج الجعلى العراقى الذى يرتديه من العام السابق ..والسواق ماهيته بتنتهى من خامس يوم فى الشهر
محمود : اذن لماذا يعملون
طاهر : بداءت اشم فيك رائحة برجوازية وانت ابن الخفير ..
محمود : انت مصاب بنزلة فكرية ..انا لا احب البرجوازية ولا العيشة المترفة ..ولكن اؤمن بالقسمة وبعدالة السماء ..( واما بنعمة ربك فحدث ) ..اذا كنت تحمل على الاغنياء فالمال ياعزيزى ياتى بتوابعة بامراضه ومشاكله ..كلنا نتعزب ..الفرق الوحيد ان عزاباتنا مختلفة ..ونجتمع جميعا تحت راية العزاب..
طاهر : الانسانية عدالة ..
محمود : والموضوعية رضاء بقسمة الله تعالى .
طاهر : ونعمة بالله ماقلنا حاجة ..لكن ..
محمود : لكن ايه ياطاهر ..انا نسيت اكلمك تصور ناس سلمى كانوا قبل يومين فى قريتكم .
طاهر : فى قريتنا ..
محمود : كانوا معزومين فى بيت حاج الجعلى ..وذبحوا لهم خروف قدر الثور
طاهر : حاج الجعلى ..سلمى ..خروف ..بدوى
قال محمود ..نعم يااخويا ..ولم يدرى انه فجر قنبلة…
31
موضوع: الفصل الرابع .. 
الأحد يناير 24, 2010 4:01 pm
