الفصل الخامس
عند الكوبرى افترق الصديقان ذهب محمود الى مكتب التفتيش وذهب طاهر الى القرية ..عندما انحدر فى الطريق المؤدى الى القرية ..احس بان طعنة قاسية قد وجهت اليه ..سلمى فى زيارة الى القرية ولم تزورنا ..ربما كانت تنتظر دعوة منى … طيب مادام هى حضرت لماذا لم تكلف نفسها خمسة دقائق وتاتى لزيارتنا … هتف هاتف فى ضميره باى حق تزورك ايها المجنون ..ماذا تملك عليها حتى تزورك فى منزلك هل تمت لك بصلة قرابة … عاقد عليها لاسمح الله ..ماذا يقول الناس اذا ارادت زيارتك ..الناس ..الناس .الجحيم كما قال سارتر .
ثم من هو طاهر حتى تزوره سلمى بنت الباشمفتش فى داره ..هل ستزبح لها خروف اذا زارتك فى منزلك المتواضع هذا ..
ضرورى يعنى خروف ..العرب ماقالو الجود بالموجود ..امثال الغلابة ..مثاليات فارغة .اكيد الزمن زمن وجاهات عندك كم تساوى كم ..غدا سيظهر تصريح صحفى من بدوى يعلن فيه خبر هذه الزيارة لوكالات الانباء المحلية والعالمية ..
عندها ماذا اقول انا ..طبعا ولاشىء سلمى من حقها ..من حقها زيارة من تريد ..ثم ان هذه الزيارات من اختصاص الوالد ..والوالد صديق حاج الجعلى ..
انا لا ادرى ماسر هذه الصداقات التى عادة ماتقوم بين رجال السلطة واصحاب المال ..لماذا يصادق دائما اصحاب المال رجال السلطة ..من الضباط والمفتشين ورجال الادارة ..اكيد تبادل المصالح ومركب النقص فى كل فئة ..رجال السلطة فى حوجة الى المال ..واصحاب المال فى حوجة الى السلطة ..مصلحة فى مصلحة طاحونة تضحن الفقراء ..
لماذا يصادق الناس ..أو ماهو مفهوم الصداقة ..الصداقة اذا كانت للمصلحة فقدت معناها ..الصديق .هو من يصدقك القول ..ويكاشفك بعيوبك دون زيف املا فى الاصلاح ..هو الذى تحتاجه وقت الضيق ..ويربت على كتفك عندما تزورك نوائب الدهر ومحن القدر ..هل صداقتى لمحمود تنطوى على مصلحة ..جائز ..مغالطة اذا نفينا المصلحة فى اى صداقة ..يمكن اللعب على الالفاظ ..ونسميها منفعة نبيلة ..اذن ؟ ماذا نسمى النوع الاخر من المصلحة ..سؤال اخر لماذا لم
32
يصادق سيد تجانى والدى …هل تريده يصادق والدك وياتى اليك بسلمى فى دارك ..هل ستزبحون لها خروف ..
اذن ماذا يريد سيد تجانى من المزارع ؟
بالطبع يريد منه الالتزام بالعمل ونظافة الحقل .
والدى خير من يفلح الحقل ..
هل تريده ان يصادق والدك بالعافية ..الصداقة مودة والمودة لاتاتى بالعافية ..أصيب بالاحباط ..لم يحس بطول الطريق ..نظر الى الدار المتواضعة ..احس بشيئا من القناعة ..
كانت قدماه هى التى تسير ..بينما عقله يسافر بعيدا ..وضع الكناسة فى الزريبة … توضاء فى البرميل ثم دخل الغرفة الامامية وصلى المغرب ..
كانت عادته ان يجلس على المصلاية بعد الصلاة وبالذات بعد صلاة المغرب ..هذه الجلسة يحس فيها براحة وامان لاحدود له ..ربما لانه يكون فى ضيافة الرحمان ..قد يكون جالسا فقط ..ودون قراءة او تسبيح ..ومع ذلك يحس بالامان والراحة النفسية ..التأمل الهادى يلطف الاعصاب .ويجلب الامان ..
لم ينتبه انه جلس طويلا حتى دخلت عليه التومة سعدية … وهى تقع فى حجره وتمسك برقبته وتقول له بصوتها الالجن ..تاهر جبت لى شنو معاك ..
احتضنها طاهر وامسك بارجلها الدقيقة بيد وباليد الاخرى امسك يديها ورفعها عاليا وقبلها ..وقال لها اذهبى ونادى سعاد ..ذهبت بسرعة وعادت وهى تجر سعاد من يدها ..
ادخل طاهر يده فى جيبه واخرج باقى الفول وقسمه على قسمين ..كومين ..
ثم قال لهما اى واحدة تمشى تجيب عود .
احضرت سعدية العيدان فقام طاهر بوضع الاعواد على الاكوام ..عملية قرعة مصغرة .تصايحت التومتان من الفرحة ….. احس طاهر ان هذه هى الفرحة الحقيقية التى يجب العيش لاجلها .. ظل يلاعبهم لفترة حتى دخلت عليهم الوالدة ..وقالت ..طاهر انت ماعارف البنات ديل بوسخن البيت بقشر الفول ..
طاهر : معليش ياوالدة انا حااقش البيت
سعدية : انا بقشو ياامى ..قاطعتها امها ..انت يالفصيحة تقشى شنو
طاهر : سعدية حلوة ياامى وكمان سعاد
33
-سعاد بتسمع الكلام لكن الجان دى مابتسمع كلام اى زول ..
الليلة ياوليداتى ماعارفة اعشيكم بشنو .
طاهر : نهائى ….. مافى حاجة
- والله ياوليداتى حتى الكسرة مافى
سعدية : يمة اعملى لينا شعيرية محمرة …
- من وين ابوك ماعندو حاجة الليلة
سعاد : والغنمائة مافيها لبن
- قبيل ماقلت ليكن اربطن العتود خليتن الغنماية رضعت .
سعدية : انا شبعت فول
سعاد : وانا كمان شبعت فول …
احس طاهر بصدره يضيق .. واحس بانه يتنفس بصعوبة ..خرج من المنزل ناحية الفضاء ..القمر يرسل اشعته الفضية فى بهاء نادر ..أحس بغصة فى حلقه هو ليس جائعا لكن الحلوين الصغار ..من اين لهم بالصبر والجلد
هؤلاء هم الذين يرضعون لبن الصبر مع نعومة اصابعهم .اين هم من التغذية الصحيحة للطفل ..أحس بالرعب عندما تذكر امراض الطفولة الخمسة … أساتذة العلوم فى المدارس يرددون صباح ومساءا يجب ان يحتوى طعام الطفل على الفتمينات والبروتينات .. كلام نظرى فى المدارس عجزت الطبيعة تحقيقه على ارض الواقع .الحمد لله ..ربنا كريم صحة الطفلتان عال العال … اجسامهم متينة .وروح الحياة تلمع فى عيونهم البرئة ..احيانا تمنح الطبيعة بعض الفقراء رونقا مجانيا وبدون اجر مدفوع فى شراء الانواع الجيدة من الاطعمة .تلك حكمة الخالق فى مخلوقاته ..
ولكن برقم ذلك اخاف من تلك الامراض الخمسة الملعونة ..احيانا يقولون سبعة زيادة فى الهم ….اللهم احفظ هذه الجنة البسيطة ……..ياالهى لا استطيع تصور …استغفر الله
أحس بالجوء يبرد ..ولكن برقم ذلك توجد باعوضة ..أحس بالهدوء يسود المكان ..تسلل بهدوء ناحية الدار..
أحس بالتعب يغزو مفاصله ..أحس بان اطرافه تالمه الم خفيف ..ويزداد الالم فى منطقة الظهر ..الحياة ملئة بالمتناقضات ..لماذا يصيب الارق الانسان المتعب ..كان الجسم اخذ كفايته من
34
التعب ولايستطيع حتى النوم ..أسترخى قليلا ..ومرت الدقائق ثقيلة ..أحس بالخدر يسرى فى اوصاله..وجسده يعلو ثم يعلو أحيانا نحس بلذة لخدر النعاس ..المرحلة مابين النوم واليغظة أحيانا فيها طمانينة غريبة .
راى فيما يرى النائم ..
راى نفسه يجرى ويلعب فى بستان جميل اخضر ..فيه اشجار الليمون ..والبرتقال ..والمانجو
ظل يجرى ويلعب فى البستان وياكل من الفواكه ..ظهرت فراشة ملونة منظرها بديع ..جرى نحو الفراشة حتى نهاية الحديقة ..ساقته الفراشة نحو الاحراش ..خيل اليه انها ترنو اليه بسخرية ثم تختفى فى الغابة ..فى تلك الغابة وجد عش جميل به حمامتان متساويتان فى الحجم لونهما ابيض شديد البياض ..امسك بالحمامتان برفق ..وربضهما بحبل من الدبارة .. من الحديقة احضر مجموعة من العيدان الناشفة ..صنع من العيدان الناشفة قفص جميل ووضع فيه الحمامتين وذهب لاحضار الماء لهما ..بجانب الماء احضر حبات القمح وثمرة جوافة وظل يطعمهما حتى شبعتا .ثم ذهب الى الجدول وملاء لهما ابريق الماء وادخله القفص ظل يلعب مع الحمامتان ويربت على الريش الناعم حتى احس بالتعب ..رقد على جنبيه ..احس بيد مجهولة تعبث بالقفص ..انتبه لنفسه ولكن اليد المجهولة حملت القفص وظلت تجرى به ..جرى خلف المجهول والمجهول يجرى …احس به يتجه ناحية المدينة واذا دخل المدينة فلن يمسك به … جرى خلفه وهو يصرخ ويستنجد حرامى ..حرامى ..
قام مفزوعا من النوم وهو يصرخ حرامى ..حر
تصبب العرق منه باردا وعلم انه كان يحلم …
اول شئ فعله فى الصباح … هو ذهابه الى الغرفة الخلفية ..تاكد ان البنتين بسلام فحمد الله على السلامة
..ولكن ذلك الحلم ترك علامة استفهام ..
عالم الأحلام عالم مشربك وغريب ..عالم مليان بالدلالات والرومز ..يتوافق إلى حدا ما مع توجه علم النفس وتفريغ العقل الباطن ..وأن الشخص الذى يخطر على بالك بالنهار تراه باليل فى احلامك فى عملية إفراغ العقل الباطن .. وايضا من الأشياء المسلم بها الإنتصار للعقل الباطن ..فى هزيمة قوى الشر بأعمال خارقة ..ولكن هناك الحلم المرتبط بالروح (دائما هى الروح) مثل الحلم المرتبط برؤية عائلة معينة فى مجتمع أو مناسبة مع وجود( اللحوم ) أو الثعابين والعقارب
35
مثلا..وإرتباطها بموت شخص عزيز .. مثل هذه الأشياء وارد حدوثها ..هى من الأشياء الغامضة فى الوجود وفى ظنى الخاص أن لكل شخص تجارب خاصة ..شديدة الخصوصية ..وهى أنه إذا راى حلما معينا سوف يحدث كذا وكذا ..والإعتقاد فيها وارد بل أحيانا مؤكد ..بل أحيانا كما قال لى أحد الاصدقاء انه إذا نسى قراءة شيئا من القراءان (مثل المعوزتين والناس) دائما مايحلم حلما مزعجا ..وبعضهم يتسبب هذا الحلم فى فوات صلاة الفجر ..شيئا ممسك بالروح والإيمان والعقيدة وتتفاوت فيه الإعتقادات ..
موضوع: الفصل الخامس 
الأحد يناير 24, 2010 4:03 pm
