الفصل الثامن

الفصل الثامن

فى الايام التالية انقطع طاهر عن الذهاب الى المكتب لانشغاله بمسك الموية فى اراضى القطن ..تلك الايام شهدت انقطاع المياه عن الحقول ..وشهد المزارعين ايام قاسية ومعانا مرة فى سبيل البحث عن المياة ..وكثرت المشاجرات وسرقات المياه فى كمية الماء القليل الذى يصل النمرة ..هؤلاء القوم رغم بساطتهم الاانهم عند انقطاع المياه ينقلبون الى وحوش كاسرة ..
ذهب فى صباح يوم الى الحقل عندما وصل هناك وجد والده جالسا على ( التقنت ) ينظر الى القطن بحزن عميق ..سلم على والده وجلس بجواره ووالده صامت ..احترم طاهر صمته ..كان كعادته عندما يحس بالحزن يلوز بالصمت ..وهو اليوم حزين بل وحزين جدا ..وطاهر يعرف ذلك .قال له
الماء سياتى ياوالدى انشاء الله
اجاب والده ..
تعرف ياطاهر احساس الابوة ……… انه نفس احساس الابوة عندما يحس الوالد ان ابنه فى خطر ..يصاب بغصة وحرقة والم .. نفس هذا الاحساس احسه تجاه القطن ..والعطش الذى يهدده مثل الوحش الكاسر الذى يهدد ابنى ..ولكنه وحش مختلف وحش لااراه ولكنى ارى اثاره على اوراق الشجر ..
اه ..ياطاهر مثل الاب الذى لايجد قوت عياله هل ينام له جفن ….. هل يحس الراحة فى مرقده اذا احس ان اولاده يتهددهم العطش والجوع ….. نفس الاحساس ياابنى
ولكنك لم تجرب الابوة ..ضحك وقال قلبى على قطنى انفطر وقلب… على حجر
وصمت الوالد ..ودخل محارته
بعد قليل سمعوا اصوات ضجة وصياح رفع راسه فوجد … عمه حسين وخاله يوسف يشتبكان على طرف الحقل ..وعمه يحمل الكوريق عاليا جرى طاهر نحوهم امسك طاهر بخاله من الخلف وامسك والده بعمه حسين وتم ذلك بعد جهد ومشقة ..ولاول مرة يسمع طاهر الفاظ تخرج من اناس ظلت الفاظهم عفيقة زمانا ولكنه العطش والقهر ..
قال حسين لقد قفل يوسف الجدول بتاعى وحول الماء الى حقله ..
53

قال يوسف أنا على الحرام لم افعل ذلك … كادا ان يشتبكا من جديد ..لكن والد طاهر تدخل وقال ياناس حرام عليكم ..انتم ناس اهل وفى حاحجات بسيطة عرض دنيا تنسون ذلك ..حرام عليكم ..ماذا يعنى لو يوسف انتج خمسين جوال ..ولم ينتج حسين شيئا هل يضار احد مادام فى الغداء تأكلون فى صينية واحدة
قال يوسف لكن ..
قاطعه والد طاهر ولا لكن ولاحاجة ..
وصمت ..
وصمت الجميع واحسوا بالخجل ..
قال حاج يسن ياحسين تريد آن تضرب ابن عمك بالكوريق مقابل ماذا ..ومن اجل ماذا ..
طال الصمت ..بداءت النفوس الغاضبة تراجع حساباتها ..وبداء الشيطان اللعين فى الانسحاب ..الزفرات الحارة بداءت تخف رويدا رويدا ..
قال والد طاهر قوم ياحسين واعتذر ليوسف ..
قال حسين أنا ..؟
قال حاج يسن نعم أنت ولازم ..وقام حاج حسين واعتذر ليوسف فى مشهد مؤثر ..
وتفرق الجميع وذهب كل واحد إلى شأن سبيله ..
ولكن طاهر لم يتحرك ..
كان واقفا فى الأرض التى شهدت الحرب والأرض التى شهدت السلام ..نفس الزمان ونفس المكان هذه النفوس البريئة كيف تعاركت وكأن شيطان ركب على رؤوس أصحابها ..من المسؤول عن القهر وسوء النوايا لاناس نواياهم مثل الحليب الأبيض ..الحمد لله أن هناك يد قوية ضربت على رأس الشيطان وادخلته الجرة ..تعجب طاهر كيف عادت النفوس إلى صفائها وكأن شيئا لم يكن ..فى تلك اللحظة أحس بعظمة والده لانه اليد التى ضربت على رأس الشيطان وأخمدت ثورته ..
رفع طاهر رأسه من على الأرض ونظر إلى القطن الذى كان يحنى أوراقه اليابسة الى الأرض فى حزن وكابة تثير فى النفس الاحباط والألم ..لو آن الوقت خريفا لصلى من اجلها صلاة الاستسقاء..ولكن الوقت شتاءا أتمنى آن يغضب الله علينا ليمطرنا شتاءا ..فى هذه الأيام لن تكون غضبا بل ستكون رحمة والرحمة والغضب لايجتمعان
54


عبر طاهر ارض القطن ووصل الى ارض القمح ..هذا برئى آخر ينتظر الحكم بالادانة ..الحال هنا افضل فالأرض مازالت لينة .ولكن مادام العطش يهدد الذهب الأبيض فالذهب الأصفر سيأتيه الدور عاجلا آم اجلا امسك بيده سنبلة من سنابل القمح وداعب ذوائبها الخضراء الطرية ورياح الشتاء تعصف بها يمينا وشمالا … القمح يامفجر الثورات ويامالك القرار قاوم … قاوم بكل ماتملك من قوة لان هناك من ينتظرك على موائد الفقراء والاغنياء … هناك من يصلى الصبح ويذهب ليقف فى الصف ليصافح وجهك الأبيض الجميل … رجال ونساء وأطفال سيتعاركون على شباك المخبز ..وكل يمنى نفسه بابتسامة واحدة منك وبقطعة تدخل كيسه ويحملك الى أطفاله ويفرح بك الجميع ..
لاحظ طاهر آن والده زرع على الجدول بعض المحاصيل الشتوية مثل الفول المصرى والكبكبيك والفاصوليا ..أشياء بسيطة لكنها تساعد فى أعمار الدار ..آذن على حسب نظرة الوالد الخبز فى القمح والفول فى انتظار الجبنة والكبكبيك للطعمية لا شك إنها وجبة فطور مكتملة .
أحس بالجوع يقرصه ..
غفل راجعا نحو القرية ولم ينسى آن يملا جيبه بالفول الأخضر للصغار الحلوين سعاد وسعدية ..
عندما وصل طاهر الترعة متجها ناحية القرية التقى ببدوى الجعلى تبادلا التحايا ..وأخبار المدرسة..
فى تلك الأيام قاربت المدرسة على فتح أبوابها ..
بدوى : هل سلمى حضرت من الخرطوم ..
طاهر : والله لااعرف …. ولاحتى اعرف إنها سافرت
بدوى : معقول لم تكن تعرف أن سلمى سافرت .
طاهر : والله لااعرف فأنا منذ مدة لم ازور ناس محمود .
اقتنع بدوى بعض الشى بإجابات طاهر ..ولكن طاهر لمح بعض الشك فى عيونه .
بدوى : على العموم أنا ذاهب لهم اليوم لأنني انتظر وصية كلفتها بها لتحضرها لى من الخرطوم ..ثم ابتسم فى غموض وانصرف ..
سار طاهر وازدحم ذهنه منه جديد ..ماذا يعنى هذا المغفل ثم ماهى الوصية وماصلتى بها أنا ..هذا الثور يريد إثارة مشاعرى ..ثم ..هل سلمى سافرت جايز فأنا منذ كم يوم لم اذهب لهم من
55


المحتمل سفرها فلها الدار والأقارب فى الخرطوم ..سلمى ..سلمى اه
ولكن بدوى الذفت ماهى حكايته ..ولماذا يأتي بسيرتها دائما هل ياترى علم مابيننا ..هذا الثور البليد سيفسد كل شىء لوعلم بذلك ..السر يعرفه اثنان أنا وسلمى ..ولا أظن سلمى من السذاجة آن تفشى سرها لبدوى اوحتى لغيره ..ولكن هل طاهر يحب سلمى ..من الجائز أن يكون طاهر بحب سلمى ..من الذى يرى سلمى ولايحبها ..ولكن السؤال الصعب هل سلمى تكن له شيئا ..
اتهامي لسلمى.. ينقص من مكانتها ومن مكانة الحب ..ولا أظن أن هناك رائحة خيانة فهى أنبل من ذلك ..
بدوى أنا على استعداد لتحمله طوال العمر اما آن يشاركنى فى حب سلمى فهذا هو الشيء الوحيد الذى لا اتحمله ..










56

القطار الاخضر

القطار الأخضر