الفصل التاسع

الفصل التاسع

فتحت المدرسة ابوابها وبداء البص رحلاته اليومية ..البص المربع الذى كتبت عليه ادارة مشروع الجزيرة بالسودان بداء رحلاته اليومية ..فى الايام الاولى كان الطلاب ياتون الى المدرسة فى تكاسل تختلف الاسباب بعضهم الاجازة استهوت مزاجهم وبعضهم منهكين من اعمال الزراعة ..فى كلتا الحالتين التلاميذ تستهويهم الاجازات ..
وسلمى تأتى كل يوم مع رفيقاتها وعطرها المميز يسبقها ويعلن عن حضورها ..زاب الجليد الذى كان يغلف علاقتها بالاخرين بعض الشىء ..لاحظ طاهر انها اتت بعد الاجازة اكثر مرحا واوفر صحة واثر أجهزة التكييف بادى عليها مثل اؤلئك الذين ياتون فى اجازاتهم من الخارج تلمع وجوههم بالصحة والعافية … المعنويات تشكل نسبة معتبرة من الحياة الصحية للفرد … وكانت نظراتها تفتك بالجميع وقد كان لطاهر النصيب الاوفر من تلك النظرات ..
بعد عودتها كانت مظاهر الاستقبال شيئا لايوصف … بعد فسحة الفطور ذهب طاهر الى الوحدة الصحية ..بعدما سلم عليها جلس بجوارها على الكنبة الطويلة . ثم دار هذا الحوار الهزلى
طاهر : خشيت ان لاتأتى لنا مرة اخرى ..
سلمى : ماالذى سيمنعنى من الحضور ..
طاهر : اشياء كثيرة ..ربما وجدتى من هو افضل منا ..
سلمى : حتى لو وجدت فالاختيار مشكلة ..تعرف ياطاهر مشكلة البنات فى هذه الايام هى الاختيار ..
طاهر : مشكلة بسيطة جدا هذا يدل على ان البنات ليس لديهن مشاكل ..
سلمى : مشكلة عويصة ياطاهر ..
طاهر : الانثى لديها بوصلة خاصة ..جهاز حساس يخبرها بمناطق الخطر قبل بلوغها .
سلمى : لنفرض فرضا اننى وكلتك لتختار لى احد الرجال من ستختار لى ..من هو الذى يصلح لى ..
57


طاهر : سأسألك سؤال … هل تعلمين مامدى حبى لك ؟
سلمى : نعم ..انا ادرى ذلك وربما هى حقيقة من حقائق حياتى
طاهر :اذن اذا تقدم لك احد يحبك بمقدار 5 % من هذا الحب فانت سعيدة اقبليه على الفور
…. سالت دمعة من عيونها الفاتنة وقالت.. لهذه الدرجة انت تحبنى ..
طاهر : واكثر ..واكثر
استاذن منها وذهب الى المدرسة ..وتابع حصص اليوم بعقل شارد ..
مرت ايام ..
وفى ذات يوم وطاهر ينزل من البص ناولته مروة صندوق ابيض انيق كتب فيه بخط انيق واضح الى الحلوين
الصغار س وس مع محبتى والامضاء س ..حمل طاهر الصندوق بتردد وقراء مافيه وفهم كل شىء ..لاشك ان مابداخل الصندوق هدايا من سلمى لسعاد وسعدية ..ولاشك ان الصغيرات سيفرحن بهذه الهدية ..تخيل شكل الفرحة وهمس فى سره كم انتى عظيمة ياسلمى ..
وصل البيت وفتح الصندوق ..
وكما توقع طاهر ..كان بدخل الصندوق هدايا قيمة وانيقة جدا بمقاييس القرية المتواضعة بالرغم من بساطتها شرايط تسريح الشعر حمراء وبيضاء ..غواييش ..توك ..حلق ..بنسات سلاسل فضية .باندات .وقلم حبر جاف انيق ..
ادرك طاهر ان قلم الحبر الجاف يخصه لذلك لم يعترض احد عندما اخذه عدا سعدية التى قالت له ياحرامى ..
وضحك طاهر ..
ياسلام الذوق مثل اصحابه ..الاختيار يحدد الذوق فى كل شىء …. حتى فى الفن اذا اردت ان تحكم على ذوق انسان اسأله عن فنانه المفضل … وبعدها لك الحكم ..
ومرت الايام ..
وذات يوم ..
كان طاهر جالسا فى الغرفة الامامية على الكرسى الخيزران وامامه فانوس الجاز على التربيزة وامامه مجموعة من كتب المدرسة محتار فى ايهما يزاكر فتح كتاب النحو قليلا ثم اقفله ..ثم فتح
58

كتاب الجغرافيا قليلا ثم اقفله ثم كتاب الاحياء كان يحس بغلق مبهم ..احس بان روحه تحرقه ..ضيق وتوتر من غير سبب مفهوم ..
انه يخاف هذه الحالة ..حالة الغلق المبهم ..شىء يتصل بالروح ..فى السابق عندما تابع هذه الحالة ودون اوقاتها كانت دائما ماترتبط بكارثة او موت عزيز لديه ..كأن الروح تتواصل ساعة الألم ..اللهم استر ..
اسند ظهره على الكرسى ..اغمض عينيه ..بعدها بداء يحس بمغص ..بداء المغص يذداد ..منطقة المغص تحت منطقة الصرة ..احس بأمعائه تتلوى والمغص يشتد ..تذكر انه احس بهذا المغص ذات يوم وتحت منطقة الصرة ايضا ..قام من الكرسى ورقد على السرير ..
فى تلك اللحظة سمع صوت اقدام فى طريقها اليه ..تنبهت مشاعره لملاقات الضيف القادم ..من ذا الذى يأتى فى هذه الساعة المتأخرة من الليل
- السلام عليكم
- وعليكم السلام ..
كان الزائر هو بدوى الجعلى مالذى اتى به فى هذه الساعة من الليل ..المغص اذداد حدة واحس بالغثيان ..دعاه طاهر للجلوس ..كان طاهر يدرك فى قرارة نفسه انه يكره بدوى ولكن ماذا يفعل والرجل اتاهو فى داره والذى يزورك فى منزلك لاتملك الاان ترحب به حتى لوكنت تكره لقائه فى الحلم ..طبيعة وشهامة اولاد البلد ..ان شئت قل نفاق اجتماعى لابد من ممارسته ..جلس بدوى على كرسى الخيزران ونظر بتأفف الى
الأثاث البسيط ..تململ فى جلسته ثم قال ..
بدوى : كيف عامل مع المزاكرة ..
طاهر : الحمد لله ماش الحال ..
بدوى : تصور أنا ما قادر أزاكر ..
طاهر : خير إنشاء الله ..عافية ..لكن لازم طبعا ..
بدوى :أنا عارف ..لكن ..وسكت ..
طاهر : طبعا دراسة الثانوى ..اصعب من المتوسطة ..الحقيقه هى أن المقرر اكبر شوية لذلك لابد من الاجتهاد .
بدوى : أنا عارف لكن ..
59

أدرك طاهر أن بدوى يعانى من شيئا ما ..وان هذا الشيء له صلة به ..أحس به يتألم ..لكن لم يرق له قلبه ..
بدوى : أصحابك عاملين كيف ..
طاهر : تمام الحمد لله
بدوى : وسلمى عاملة كيف
طاهر : كويسة ..ضحك طاهر وقال ما أنت كل يوم بتشوفها
بدوى : أنا أراها ولكن هى لاترانى ..
طاهر : مافاهم قصدك ..
بدوى : أنت فاهمنى كويس
طاهر : حتى لوكنت أنا فاهم ماشانى أنا بذلك .
بدوى : انتم أصحاب
طاهر : أنا كنت فاكر العلاقة واحدة مثلما أنا صديق أنت صديق
بدوى : ولكنى اطمع فى اكثر من الصداقة
طاهر : ماذا ..ماذا تقصد
بدوى : اقصد وبالواضح وبالعربى الفصيح أنا أريد سلمى زوجة لى فى المستقبل
طاهر : يعنى أنت .
بدوى : نعم عليك نور أنا بحب سلمى
طاهر : وسلمى هل ..هل هى
بدوى : والله لااعرف سبق وارسلت لها خطاب ولكن للأسف لم ترد عليه بل ومزقته بعد قراءته مباشرة فى المكان الذى استلمته فيه ..هناك وجدت قصاصاته ..
طاهر : هل فات عليك أن المشوار طويل وانك مازلت طالب فى الثانوى ..
بدوى : مافيش مشكلة ..يعنى حاتكون عايزة شنو ..البيت والعربية ..فى الخرطوم عندنا ثلاثة قطع فى حى راقى
أما العربية ممكن نشترى ليها افخر واخر موديل ..بس لو توافق ..
طاهر : لكن ..واحس بالحيرة والألم ..
بدوى : سلمى جن راكب راسى ولازم لازم احصل نهايتها حتى لوكلفنى الكثير سامع ياطاهر
60


حتى لوكلفنى الكثير … وأنت عارف أولاد حاج الجعلى لايصعب عليهم شيئا ..
وخرج ثائرا بعدمارمى طاهر بنظرة كأن طاهر يخفى سلمى فى جيبه ..
أحس طاهر بصداع عنيف ..وأحس بأنه عاجز عن التفكير ..وتزكر بأنه كان يحس بمقص ولكن أين ذهب ذلك المغص .دخلت عليه سعدية وهى تحمل كوب شاى ولكنه لم يحس بها ..
سعدية : طاهر
طاهر : نعم ياحلوة ..
سعدية : الشاى
طاهر : من قال لك أنى اريد شاى
سعدية : أين بدوى ..
أذن هو لبدوى ..امسك بكوب الشاى وبداء يشرب فيه ولم يحس بمذاقه حتى وضع الكوب على المائدة .
إذن بان كل شئ … وبدوى كشف أوراقه دفعة واحدة ..
بدوى يحب سلمى ..بدوى يحب سلمى بل ومتمسك بها لدرجة مخيفة ..لقد وضعنى فى صراع معه صراع غير متكافى ..
ولكن سلمى ماهو موقفها هل هى معه آم معى ..وإذا كانت معى على حسب القول لماذا لم تخبرنى إن بدوى يحوم حولها ..هل هو خوف على مشاعرى أم أرادت آن تمسك بالعصاية من النصف ..هل وهل
تنهد طاهر بعمق وأحس بالسخف والقرف من كل هذا لماذا أضع نفسى فى مثل هذه الأشياء ثم ماهو موقفى لو إن بدوى سار اكثر من ذلك فى هذا المشوار ..
هل سينتصر الحب ..الحب لامثالنا ترف …. لايحق لامثالنا أن يعشقوا فكيف يكون الحال إذا كان العشق لبنت الاكابر سلمى التجانى ..لماذا أنا عاشق ووالدى يكابد من اجل لقمة العيش والصرف على الزراعة والشقاء عليها أفنى حياته من أجلنا ..أرجله السمراء نضب ماء الحياة منها وعيونه تحمل هم السنين ..
هل حرام أن احب ..
الحب طموح مثل كل الأشياء ….. واصبح يباع ويشترى بمقاييس ابن العمدة ..والطموح إذا
61


كان اكبر من إمكانيات الفرد أصابه بالبلوى والعزاب ..
فى جوف الليل البهيم ..ارتفع صياح ضفدعة ..وصياح صرصار ...علماء الاحياء يقولون أن صوت الضفادع فى اليل هو صياح الانثى تنادى الزكر ..هذا عن الضفدعة ولكن هل الصرصار ينادى شيئا .سمفونية صوت الضفدعة عزاب وصوت الصرصار بلوى ..بلوى ..عزاب..بلوى ..عزاب..وأحس بالنعاس يغزو رأسه ومابين النوم واليغظة أحس طاهر بالمغص من جديد يقترب منه ولكن النوم كان اقرب والفرقة تردد بلوى عزاب ..بلوى عزز..بلل



















62

القطار الأخضر

القطار الأخضر