الفصل الحادى عشر

الفصل الحادى عشر

يوم السبت وصل محمود والتقى الصديقان ....عاتبه محمود لانقطاعه فى الايام الاخيرة واخبره بأن يحضر اليوم .وان سلمى سألت عنه كثيرا وقالت انها تريده ان يشرح لها الرياضيات ..وبصورة ملحة
زفر طاهر بحرقة وقال ..الرياضيات ..الرياضيات ..التفت اليه محمود ونظر فى عيونه بعمق وقال له
محمود : طاهر انت بتحب سلمى
طاهر : والفائدة ايه
محمود : وهى بتحبك
طاهر : والفائدة ايه
محمود : أنت فى الجنة ولاتجنى ثمارها
طاهر : لايدخل الجنة شقىء
محمود : لامة محمد الشفاعة
طاهر : والشفاعة اخر المطاف
محمود : وأنت صبرك قليل
طاهر : نحاول
محمود : اليوم لابد من حضورك
فارقه طاهر ووعده بالحضور ..وبالفعل فى السادسة كان هناك
فى منزل محمود استقبلته الوالدة لقاءا حارا ..عناق حار من والدة عطوفة … هذه المراة البدينة سلامها يعطيك الاحساس بان الدنيا مازالت بخير ..وانبته على عدم حضوره ..وقالت له والله فقدناك ياوليدى ..
دخلت مروة وهى ترتدى لبسة باكستانية انيقة وقالت اخيرا وصل السجين الهارب ..
ضحك طاهر وذهب الى غرفة محمود ..اندهش كثيرا عندما وجد سلمى التجانى هناك وهى ممسكة بكتاب تقراء فيه
68

طاهر : السلام عليكم
سلمى : وعليكم السلام ..اين انت
طاهر : موجود
سلمى : انت ماطبيعى مابك
طاهر : ابدا انا بخير
سلمى : الميزة الفيك ياطاهر ان لك وجه لايخبى مابداخله ..يعنى مابداخلك يرى واضحا على وجهك .
طاهر : يعنى ..وصمت قليلا ثم قال
أنا ياسلمى انسان تشكله الطبيعة ..والطبيعة تشكل نمط الحياة ..نوع المناخ يشكل لون التربة ويظهر فى بشرة السكان اذا كان المناخ بارد يظهر فى ملمس البشرة وكذلك عندما يكون حار لون الارض يشكل بشرة السكان لهذا السبب نرى بعض سكان الاقاليم البعيدة الوانهم متشابهة حتى لوكانت اعراقهم مختلفة ..حتى الزائر اليهم اذا سكن معهم فترة طويلة يتشكل بالوانهم ..
سلمى : لكن الانسان الحق يقاتل الطبيعة بأستصلاح الاراضى البور وجلب الاسمدة المصنعة بمعنى أن الأنسان يجب أن يشكل الطبيعة وليس العكس
طاهر : امكانيات اذن هى الطبيعة مرة اخرى ..
سلمى : بل هى السلبية والتخازل وانعدام الطموح ..وراية بيضاء فى ..
أحس طاهر بعدم الجدوى فى هذا الحديث وغير الموضوع بسرعة وقال .
موقفك كيف فى الرياضيات
سلمى : سألت عنك كثيرا وتركت لك عدة وصايا عند مروة ..
طاهر : مروة لم تخبرنى
سلمى : ولو .. كان يجب ان تسأل انت ..
طاهر : حصل خير ياستى واليوم سابداء معك وانشاء الله نعوض بسرعة ..حاول طاهر ان يكون جادا وأمسك بالكتاب وبداء المراجعة ..
كان سير الدرس يسير بصعوبة ولكنه ضغط على اعصابه ..ساعده العطر النفاز حتى اكمل الدرس الاول ..بعدها بداء الامر يسير مريحا وكانت متجاوبة للدروس ولديها الرغبة فى الفهم ..هداءت اعصابه وبداء عقله يتفتح ويتحلل من توتره اثناء الشرح كان لزاما النظر فى العيون
69


الواسعة وشد ماحيره ان يرى صورة نفسه ممسكا بالكتاب داخل عيونها ..عملية انعكاس طبيعية ..ولكنه تمنى ان يسكن هناك ولايخرج ابدا ..ولكنه سيؤلمه فى عيونها ( وقيعة ) .
اندمج فى الدرس وبداء عقله الحاد يفتت المسائل ..ويختار ابسط الطرق لتدخل العقل المصون ..كانت احيانا تهيم فى البعيد ولكن نظرة عيونه المتسيطرة تعيدها سريعا للدرس ..حتى انتهى من الدرس
سلمى : هائل اليوم احس اننى استفدت كثيرا
طاهر : وانا معاك كل يوم
سلمى : توعدنى
طاهر : اوعدك
دخل محمود مستاذنا وجلس ..بعد قليل دخلت مروة تحمل الشاى
سلمى : ياجماعة نحن تاعبنكم معانا
محمود : تعبكم راحة نحن اخوان
طاهر : كيف الدناقلة اهلك .؟
محمود : البلح متوفر والنيل ممتلىء
طاهر : النيل ..النيل عظمة ..فعلا يامحمود اهل النيل سعداء تأمل مدى عظمة هذا النيل زراعة وماء ورمال وخيرات لاحصر لها .. واهم من كل ذلك ان ماء النيل عزبة وحلوة وصحية ..تعرف يامحمود مصيبة المشاريع المروية امراض المياه وخصوصا البلهارسيا ..أستاذ الاحياء عندما اخذ يعدد اضرار ومضاعفات البلهارسيا اقشعر جسدى مع شرحه ..
تصور البلهارسيا تعيق النمو وتقلل معدل الذكاء عند المصاب لذلك ترى اطفالنا اقزام فى عمر الشيوخ واذا نظرت الى احدهم وقيل لك قدر كم يكون عمره تقول لهم عمره عشرة سنين ..واذا رجعت الى شهادة ميلاده تجدها ثمانية عشر عاما ..اين ذهبت الثمانية سنوات اكلتها البلهارسيا ..
تجدهم وهم صغار فى الابتدائى اذكياء شطار فى تحصيلهم الاكاديمى وعند تدرجهم فى السلم الاكاديمى يتأخرون ويأتون فى اواخر الصفوف ويفقدون كثيرا من الدرجات ..
اين هذه الدرجات ..؟
70

اكلتها البلهارسيا والانكلستوما ..
الاطباء على حق عندما يقولون ان البلهارسيا مرض تخلف … ولكن تخلف نحن لايد لنا فيه
هل امتنع عن دخول الماء لاروى زراعتى لان البلهارسيا تترصدنى فيه وتصيبنى بمرض التخلف
..لايمكن ..
والارزاق لاتاتى بالتمنى لكن تؤخز الدنيا غلابة ..هى اقدار لايد لنا فيها ..علينا ان شئنا او ابينا ان نرضى بواقعنا ..ولكن يبقى لنا الحق ان نتمرد عليها .. دى قسمتنا نحن أولاد الجزيرة
ولكن يامحمود ماسبب مجيئكم هنا ..
محمود : من قديم ارتبط اهل الشمالية باالرى فى مشروع الجزيرة خصوصا الدناقلة ..ربما لخبرتهم فى هذا المجال ..المهم من ترعة الى ترعة ومن قنطرة الى قنطرة ..انا مولود فى قنطرة ومروة مولودة فى قنطرة اخرى والحياة كلها قنطرة توصلنا الى حياة اخرى مقنطرة ..
مروة : الحق ياطاهر أخوى محمود علق
ضحك الجميع من حديثها الاهى بل وكانت تبدو حزينة ..غريبة هناك من يضحك الاخرين وهو حزين
طاهر : لهذا انت تشبه اولاد الجزيرة يامحمود ..
محمود : غصب عنى
طاهر : اذن هى الطبيعة
كانت سلمى تضحك من كلام مروة ولكن عندما سمعت كلام طاهر الاخير لمع البريق فى عيونها وتحفزت للنقاش ..
سلمى: اذاكان هذا حال الجزيرة اين هم شباب الجزيرة اين المثقفين ..ثم ماهودور الحكومات ..؟
طاهر : جهود بسيطة ..اظن ان ابرزها مشروع النيل الازرق الصحى ..ولكن ياسلمى البلهارسيا مارد مستوطن القضاء عليها ليس بالشىء السهل
سلمى : هذا دور الشباب الذى أكتوى بها من قبل ثم ذهب ودرس وتعلم
طاهر : الشباب يكفيه ماهو فيه من ضياع وحيرة ..رجليه فى الطين ومستقبله ملبد بالقيوم ..مثل هذه الاشياء تحتاج جهود اكبر من طاقتهم هذه جهو حكومات ومنظمات عالمية ..مثل جماعة سمنارات وورشة عمل والذى منه ..
سلمى : على فكرة أين هو أبن الجزيرة المتعلم الدارس ..
71


طاهر : أنا مثلك ياسلمى أحس أن الشباب يعيش مرحلة ضياع وحيرة شديدة ..برقم قلة الفرص لدخول الجامعة إلا أن واقع الخريج غير مشجع خباء سحر الوظيفة واصبحت لاتشكل مستقبل لاحد لانهم سيعانون فى المدن من مصاريف السكن والاعاشة ..عندما عادوا للزراعة وجدوا ان عائدها غير مجزى الحواشة ممكن تسير بواحد وممكن تسير بعشرة وفى النهاية المحصلة واحدة ..خمسة جوالات زرة وديون وضرائب ..
سلمى : والمستقبل..؟
طاهر : المستقبل تمكن البلهارسيا من الكبد..ثم الاستسقاء وبطن مثل بطن الحامل … ثم النزيف من الفم وبعدها المرحوم كان راجل طيب وحواشتوا بتنتج خمسين جوال زرة فى السنة ..
محمود : يكفينا هذا لماذا تبحثون عن النكد والاحزان ..
طاهر : مروة لماذا انتى صامتة ..
كانت مروة فى صمت رهيب طوال الجلسة ..والصمت ليس من عادتها
احس طاهر ان مروة تعانى من شيئا ما او ان هناك بداية اذمة تطل فى حياتها ..
طاهر : مروة ..
مروة : نعم انا معكم لكن ..ماعارفة
طاهر : اكيد عارفة ..










72

القطار الأخضر

القطار الأخضر