الفصل الرابع عشر

الفصل الرابع عشر

بداء واضحا مع بداية العام الدراسى الاجتهاد على المجموعة ..كانوا يستزكرون دروسهم باجتهاد ونظام صارم وبالمواعيد ..مواعيد للراحة ومواعيد للاكل ومواعيد للنوم ..وتم الاتفاق بين افراد المجموعة على ان تكون ساعات المزاكرة سبع ساعات فى اليوم ..
جدول طاهر كان فيه يومين فى الاسبوع فى مكتب الغيط وفى هذين اليومين كان يراجع الرياضيات لسلمى بنظام مرتب ..اقنعت والديها بحجة المزاكرة وكانت حرة الحركة فى يومى الاحد والاربعاء ..
المنقالى الاسمر قال لطاهر ادارة الداخلية اعتادت تقديم طبق الرز لنا يومى الاحد والاربعاء ..قال له طاهر هو رز ام حساب مثلثات ولكنه لم يفهم شيئا ..
الرز فى داخليات الثانوية يعتبر نوع من الرفاهية ويقدم فى يومين فقط فى الاسبوع ..مجرد تغيير ..شىء إضافى يساعد فى النموء والغذا ..والشى الذى أعرف أن الرز مثل الخبز ..مثل الرغيف العادى ..يحل محله كمكون نشوى فى الطعام ..أين الرفاهية هنا ..الشىء الذى يحيرنى أين الدولة والمهتمين فى مسألة أكل الطلاب فى داخليات الثانوى الحكومى ..ولماذا هذا التردى الفظيع فى نوعية الأكل ..فول فاصوليا فول ...إذا أستمر حال الداخليات بهذا المنوال ستخرج لنا طلاب مصابى بسوء التغذية ..هل يستطيع الجائع أن يفكر ..
مروة استعادت بعض من عافيتها النفسية وعاد لها طبعها المشاكس ولكن كانت تبدو ساهمة وحزينة لم يشا طاهر ان يسالها خوفا عليها من الانتكاسة من الافضل ان تقول للمريض انك بخير من ان تقول له مابك والحمد لله انها فى الطريق الى التحسن ..
بدوى الجعلى كان يظهر يوما ويغيب يوما مشغولا بتلك الدواجن المزعومة ..
وفى ذات يوم ..
كان طاهر يشرح لسلمى فى درس من دروس الرياضيات ..فجاءة قالت لطاهر هناك مفاجاءة لك
طاهر : ماهى
سلمى : وصية ستجدها عند محمود ( ابتسمت بغموض ) وقالت لن احدثك بها الان
تابع طاهر الدرس وعندما انتهى منه قامت مودعة ..ترجل معها حتى الباب ..امسكت بالباب
84

وجسدها خارج الدار .اطلت بوجهها وقالت لاتنسى الوصية عند محمود ..ثم اختفت بين شجيرات المكتب المتناثرة ..
خرج خلفها خارج الدار ..تبع طيفها الابيض وهى تختفى فى ظلام الليل ..خيل اليه ان الطيف توقف هناك هم ان يتبعه ولكنه عدل عن ذلك ..تمنى ان يسير معها ويحميها من عوارض الذمان ..ولكن
اختفى الملاك الابيض بين الاشجار ورائحة عطرها تخطلط مع رائحة الازهار فيشكل ذلك موكبا من البهجة والحبور ..حدق ببصره فى ظلام الليل ..من اين اتىهذا الجمال هذا الوعد الخرافى هل سيكون لى فى يوم من الايام ..يجب ان لا اسال نفسى هذا السؤال ..احس بالدمع فى عيونه ظلمات فوقها ظلمات ..التصقت حشرة بالدمعة التى سالت على عينه وضع يده على عينه وبداء يضغط عليها …
احس بيد محمود توضع على كتفه باردة ..
محمود : ادخل انى اريدك فى موضوع
دخل طاهر مع محمود وهو يتوجس خيقة ..انه يخاف المواضيع ..
الحياة الطبيعية هى الحياة الروتينية وهو يحس بالمتعة عندما تسير حياته على وتيرتها..ولكن بمجرد مايقول له
احدهم انى اريدك فى موضوع يحس بالخوف … لماذا ..لايدرى ..فقط كلمة موضوع هذه تصيبه بالخوف ولهذا كان لايحب كلمة موضوع هذه فى قرارة نفسه … الحياة بدون موضوع افضل ..لان المواضيع دائما تعنى المشاكل ..فخلف اى موضوع مشكلة ..
دخل مع محمود الدار ..اخرج محمود من دولابه لفافة أنيقة وقال لطاهر ..هذه الهدية لك ..
طاهر : لى انا
محمود : نعم ..ومن سلمى
كان واضحا ان بداخلها قطعة قماش ثقيلة ..ومضت عيون طاهر بالبريق والدهشة وهو يفتح اللفافة بأصابع مرتجفة وبعد قليل ظهر ان باللفافة بنطلون ..بنطلون جنز ( اصلى ) اخر موديل فى السوق
محمود : بختك ياصاحبى
طاهر : فعلا شىء عظيم
85


وسكت طاهر … وضع البنطلون خلف ظهره ..ثم اسند راسه على راحة يده وبداء ينظر فى البعيد ..
محمود : أحس بك غير سعيد برقم أن الهدية قيمة وانت فى حوجة لها ..
طاهر : فعلا يامحمود انا غير سعيد ..بل وتعبان جدا واحتمال ارفض هذه الهدية
محمود : هل حدث شىء .؟
طاهر : ابدا مجرد الهدية منها احس …. ماقادر اقول يامحمود
محمود : انت فاكر مثل هذا عطف منها
طاهر : اهو انت فاهم
محمود : طيب افرض انه عطف … فى النهاية يسمى هدية … والنبى قبل الهدية
طاهر : انا ارفض ان تعطف على سلمى ..قد اقبل العطف من اى بشر لكن لااقبله من سلمى
محمود : انت كبرت الحكاية ..
طاهر : بالعكس انا احاول ان اظل فى مكانى … قد اكون فعلا فى حوجة لهذا البنطلون او علها لاحظت اننى لا املك من الملابس الكفاية ..يظهر انها حاولت ان تساعدنى لكنى ارفض مثل هذه المساعدة
محمود : الاتوافقنى ان الحبيبان يفكران ان يكونا شيئا واحدا … روح واحدة فى جسدين ..قد تكون قريبا جدا منها لدرجة انها جعلت الحالة واحدة ..واذا قلنا ان الحالة واحدة فهل ترفض هدية النفس للنفس
طاهر : ياعزيزى محمود برقم من ان الحب عاطفة نبيلة الا انه ممزوج بالانانية
محمود : هل الهدية انانيه هى اعطت فكيف تكون انانية
طاهر : هى انانية لانها حاولت ان ترفعنى الى عالمها عندما وجدت المشقة فى النزول الى عالمى … انا معك كلمة انانية اجحاف فى حقها لكنه اللفظ الوحيد الذى يعبر عن المعنى
محمود : احيانا لا افهمك ياطاهر ..
طاهر : حاول ان تفهم يامحمود ان الحب اقوى من العطف ..الحب هو الاصل ..وفى الحب شيئا من الندية ..لكن العطف عاطف ومعطوف عليه ..قوى وضعيف ..وانا اكره الضعف فكيق يكون الحال اذا كان امام سلمى … الحب فعل ..والعطف تابع ..ومعلوم الفرق بين الفعل والتبعية ..
86


محمود : الا يمكن ان تعتبر هذه الهدية عرفان بالجميل ..مقابل الارهاق الذى تعانيه فى مراجعة الدروس لها
طاهر : جيت تكحلها عميتها ..اذا كان كذلك فتلك هى الكارثة اذن لاصبح الامر شىء مقابل شىء .. استاذ خصوصى يأخذ اتعابه فى التدريس فى اشكال اخرى ..بنطلون مثلا … وفى يوم ما تكون كيلة عيش ..او جوز حمام
محمود : تعرف ..اتعبتنى معاك ..انا لوكنت مكانك كنت اطير من الفرح ..
طاهر : لانك راجل طيب وقلبك ابيض ..
محمود : وانت كمان قلبك اشد بياضا من اللبن
طاهر : قد يكون كذلك ولكن لى خيالا يتعبنى ..
محمود : قل كرامتى تتعبنى واترك كلمة خيال ..
طاهر : لم اقل كرامتى لان الحب يجعل للقيم معانى اخرى مثلا لو اتانى هذا البنطلون منك هل سأتردد مثل هذا التردد طبعا لا ..طيب لماذا اختلف الامر هنا ..لماذا لم تصرخ الكرامة هنا ليس هناك جدال انك قريب الى نفسى وبالمقابل سلمى قريبة الى نفسى ..لكن يامحمود انت تاتى الى من طريق وسلمى تاتى الى من طريق اخر
محمود : نحن الاثنان تربطنا بك المودة ..
طاهر : هناك اختلاف فى نوع المودة .
محمود : كانك تجرى الى الفرق مابين الحب والصداقة
طاهر : هو مااريد ..
محمود : هناك فيلسوف قديم يقول الحب صداقة شبت فيها النار … ومعنى ذلك ان الصداقة هى الاصل
طاهر : انت قديم ياصديقى … انك لاتدرى ان الحب فى هذه الايام يبتدى بمشكلة ..وما حب الا من بعد عداوة ….من اغرب الاشياء فى هذا الذمن العجيب .. حكى لى صديقى المنقالى قصة احدى الفتيات .. قال لى انها كانت تكرهنى وتعاملنى ببرود وجفاء بل وتحتقرنى .. الشى الذى حدث انها تشاجرت مع صديقتها فاتت صديقتها وحكت لى قائلة ان تلك البنت لاتنام الا بصورتك …
87


محمود : الحياة ابسط من ان نعقدها
طاهر : هذا لانك ..
وفى هذه اللحظة دخلت عليهم مروة وهى ترتدى البنطلون المشكلة ..ووقفت وقفة مسرحية وقالت ايها السادة انى هنا ..والتفت اليها الاثنان ..ونظرا اليها بدهشة ..كانت مروة ترتدى البنطلون الجنز ومعه فنلة حمراء من فنايل محمود ..فى تلك اللحظة ظهرت مروة فى عيون طاهر فى اناقة ادهشته لاول مرة يحس بجمال الجسد المتناسق ..جسد الدناقلة الشارب موية البلح ..كان شيئا بديعا ..والفنيلة الحمراء دبت فيها روح الحياة
وقفت وسط الغرفة ودارت على مؤخرة كعبها مثل عارضات الازياء ..
ونظرة متنمرة فى قالب مسرحى تطل من عيونها الشقية ..
وقف محمود صائحا يابنت انتى جنيتى ..
وامسك بشئا فى يده
وولت هى هاربة وهى تضحك ..
فى ذلك اليوم قال طاهر
مروة مجنونة لكنه نوع ظريف من الجنون ..ربما يكون اظرف جن قابلته فى حياتى ..











88

القطار الأخضر

القطار الأخضر