يخلق من الشبه 40
رقم 42
أحد الأصدقاء حكى لى قصة من منطقته ..تحكى عن أن هناك شخص أسمه سعيد قال لى هل يعقل أن يكون هناك شخص مثله فى الدنيا ..
قلت له ..يخلق من الشبه 40
وبداء يحكى القصة ..
وقال..
سعيد اسم على مسمى ..سعيد ودالحاجة ..كثيرون لايعرفون أسمه بالكامل ولكنك إذا قلت سعيد ود الحاجة مليون من يدلك عليه ...تقول سيرته الذاتية أنه جاء صغيرا من قرى المناقل مع والده الذى كان يعمل سائقا ..سائق تراكتور مع جدنا الكبير ..عاش بيننا وأنقطعت صلته باهله فاصبح واحد مننا ..
درس معنا حتى الثانوى وبعد وفاة والده فضل العمل فى عدة مهن كى يعيل والدته ..كان يجيد عدة مهن ..هو ذلك الشخص الذى إذا أمسكت بالمفك أو المفتاح أو الزردية لتحل بها شيئا يقول لك دقيقة لو سمحت ويأخذ منك المفتاح ويأتى بالمطلوب ..كان يجيد السواقة والنجارة والحدادة والكهرباء والسباكة ..الذى يحيرنى فى سعيد انه يفعل كل تلك الاشياء ولايطلب فيها مقابل إلا إذا أعطيته فأنه لن يمانع ..
كان دائما مبتسما وبشوشا طيبا والكلمة التى لاتفارقه ابدا ( كلو معدى) ..بسيطا فى ملبسه ولكن برقم الفقر كان انيقا ونظيفا ..كان لايحمل هما للحياة ..برقم الضيق والضنك كان متفائلا .. كان قنوعا حد التقشف ..ملامح وجه البسيطة تذكرنى ببطل فيلم واقعى دون مساحيق او تكلف ..وجه بسيط ومعبر دون خوف أو تكلف فى الحياة لم يكن عدوانيا ولكنه كان واثقا من قدراته الذاتية
كنا مجموعة من الاصدقاء نجتمع دوما فى منزله المتواضع فى طرف القرية ووالدته الحاجة مثل أمنا جميعا ..عندما كنا صغارا كنا نتبرم ونضيق بمخاوف أهلنا علينا فى الخروج والسفر بينما كان هو حرا طليقا يفعل مايريد وقت مايريد ..كأن يخرج ويدخل ويسافر بمزاجه دون خوف أو وجل من أسرته ...خطواته غير محسوبة مطمئنا فى حركته لذا كان يبدع فى الحياة ..
قلبه لايعرف الغيرة ولا الحقد ولا الحسد ..عندما نجحنا فى الدخول للجامعة تحس بأنه فرح لفرحنا أكثر منا نحن الذين دخلناها ...كان مستمعا جيدا لأحلامنا وطموحاتنا ..ولكنه كان بدون حلم وبدون طموح ..نخطط لحياتنا العملية ..فى الزواج وفى العيال ولكنه لم يقل أبدا أنه سوف يعمل كذا او سوف يتزوج فلانة أو علانة ..تجده يجادلك فى إختيارك للكلية التى تود الدخول إليها ولم يذكر ابدا أنه سوف يدرس فى أى كلية أو أى جامعة ويجادلك فى فتاة أحلامك ولانتذكر ابدا أن له قصة غرام أو مشروع زواج ..كان واسع البال ممهول فى تصرفاته وحركاته وسكناته
وكان مستودع اسرار الجميع كل شاردة وواردة يعرف مصدرها ..وكالة أنباء متحركة يعرف من خطب ومن سيتزوج فى الفترة القادمة ومن سيأتى من السفر ومن سافر اليوم صباحا من القرية ومن ومن ..دون خدش للحياة ودون التعرض لأعراض الأخرين وأسرارهم الخاصة ..
وهبه الله القدرة على حفظ ارقام تلفونات الأخرين لذلك إذا كنت تبحث عن تلفون أحد الاقارب تجده عنده ..بل أحيانا يزودك بتلفون البيت والمكتب ..ليس له رقم تلفون ثابت وكلو يومين ثلاثة رقم جديد وشريحة جديدة ..كنا لانعرف أى نمرة تلفون يستخدم إلا إذا أتصل بك وإتصاله بك يخبرك نمرته الجديدة ..يعشق التلفونات ..تحت مخدته تجد مجموعة مهولة من كروت الإتصالات المستعملة ..لذا تجد أى شريحة أستخدمها صالحة لمدة خمسة سنوات لاحقة ..
كان لا يجد مشكلة فى تكوين الصداقات والمعارف ..وهبه الله القبول لدى الاخرين لأنه يتكلم ببساطة وبدون تكلف لذلك كنا نفضل إصطحابه فى المشاوير الخاصة لأن له طبيعة سهلة فى التعامل فى الدوائر الحكومية وغيرها .. صحبته ممتعة فى الحديث لانه يأتيك على مزاجك ويتخير المواضيع التى تريحك فى الحديث لذلك لايمكن لك أن تمل الحديث معه
كان يحب الاطفال بشدة وله صداقات لصيقة معهم ..أحيانا تحس بأنه يحب أطفالنا أكثر منا ..يقدم لهم اللعب والهدايا والتسالى فى عز حوجته للمال جيبه لا يخلو من أصناف الحلويات والشكولاتة ..يتواصل معهم بشكل غريب تراه يتناقش معهم مثل نقاشه للشخص الكبير ..فإذا دخل أحد البيوت تراه هم يهبون لمعانقته لأنه يلاطفهم ويلاعبهم بمرح وسرور حد الدهشة ..
يحب اطفال الاخرين دون التفكير فى نفسه فالشعور الطبيعى لمن حرم من الأطفال أن يداخله الحسد أو شيئا من الغيرة من رؤية اطفال الاخرين ولكن كما أسلفنا تلك الصفات السالبة لا توجد فى قاموسه فتراهم معه كأنهم أطفاله ..
لم أرى فى حياتى أحدا يجامل الأخرين مثله ..كان فى حركة مستمرة فى معاودة المرضى والتعازى فى الأتراح
كان هو الذى يحفر القبر وهو الذى يجلب الكفن وكان بارعا فى حفر ود الاحد ...
وكان مجاملا فى عودة المسافر والتهنيئة فى المناسبات السعيدة ..وفى مناسبات الزواج كان هو الذى ينصب الصيوان وهو الذى يذهب لجلب الخضار من السوق وهو الذى يشرف على ذبح الثور صباحا باكرا ..وهو الذى يشرف على إكرام الضيوف والترحيب بهم وهو كنترول أى صينية تخرج من الطباخ ..وهو الذى يتفقد أباريق الغسيل وهو الذى نسأله اين الصابونة واين حافظة الماء ...
كان يعيش على ضفاف هموم الأخرين كأنه بلاهم ..ويعيش أفراح الأخرين كأنه يملك الفرح كله وهو لايملك جناح باعوضة .....
الأن ياسادتى عمره عد الأربعين ولم يتزوج وإذا سألته لماذا لم يتزوج حتى الأن يقول لك (كلو بعدى)
كسرة:
الجملة القصيرة الوحيدة التى من عندى ...يخلق من الشبه 40 مع بعض التعديلات
هندى عثمان – الخبر