العطاء والرضاء ...
رقم 70
رضاء شاب ميسور الحال تجاوز عمره الخامسة والاربعون ولم يتزوج حتى الأن ..حالته اثارت فضولى لأننى أعلم أنه ميسور الحال ..ناجح فى حياته المهنية ولكنه أعزب مشهور ...
قال لى ..
منذ تفتحت عيناى على الدنيا وجدت نفسى يتيم ...توفا والدى فى عام واحد وأنا صغير ..لذا لا اذكر ملامحهما فى مخيلتى عدا صورة باهتة لوالدى فى عمر ما ..عشت حياتى بالطول والعرض فى منزل جدى العامر ..
كان منزل جدى كبيرا وبه كثيرا من الغرف التى كانت تضم مجموعة من العمات والأعمام ..فعشت مع أطفال أعمامى وعماتى حياة جيدة ...لا أنكر أنهما لم يبخلاء على من النواحى المالية فالشهادة لله لم أكن أعانى قط من ضائقة مالية لأننى كنت أتلقى المنح والهدايا من الجميع ...بل أحيانا كنت أتلقى هدايا وأموال أكثر من بقية أولاد العائلة ..
كنت أتلقى الأموال من الكل ... وكنت ذكيا بشيئا من الخبث بحيث اخفى تلك الأموال فكنت أتلقى مصروف المدرسة من أحدهم وأخفيه ثم يعطينى أخر مصروفا اخر دون أن يعلم الجميع اننى أتلقى المصروف من عدة جهات ..
كنت غنيا من الناحية المادية ولكن فى داخلى فراغ عاطفى كبير ...كنت أحس بان هناك شيئا ما ينقصنى ..كنت أحس أن داخلى فارغ وأحيانا احس بعدم الامان رقم كثرة اعمامى الذين يحيطون بى ...كنت مهتما وذكيا فى دراستى لذلك لم أتعثر فى دراستى حتى تخرجى من الجامعة ...
ذلك الإحساس بعدم الأمان تربى داخلى وعاش معى فى حياتى اليومية وتصرفاتى حتى أكسبها شيئا أو طابعا من الجفاء والانانية ...بل والجبن والبخل ...كل تلك الصفات الذميمة أكسبها لى عدم الأمان فى الدنيا ...لأنه ببساطة شديدة كان لدى إحساس بانه ربما يأتى يوم وتتوقف كل تلك المنح والهدايا من أعمامى ...لماذا لأنهم فى النهاية غير ملزمين بدفعها لأن لهم اولاد ولهم مسئوليات وأنا فى الإعتبار مسئولية درجة ثانية ,,
لذلك لم اكن أجامل على حساب مذاكرة دروسى عندما كنت طالبا ...وعندما كبرت لم اكن اجامل على حساب وقتى لأن وقتى ثمين ...لم أكن أهدى لأحد شيئا ولم أكن اساهم فى التبرعات لأعمال الخير ولم اكن اساهم حتى فى مناسبات الأفراح والأتراح لم أكن أهتم لا بالزكاة ولا بالصدقات ..كنت بخيلا حد البخل بحيث أننى لاأنفق مليما إلا إذا كان يأتى بفائدته ..
وبداءت أجمع المال ..أجمع الأموال بشتى الطرق من حياتى الوظيفية ومن الأعمال الخاصة وبداءت الأموال تتكدس وأصبحت ميسور الحال وأموالى كثيرة وكنت حريصا على أن لا تظهر مظاهر الثراء حولى لذلك كنت أخفى تلك الأموال فى حسابات البنوك المختلفة وفى الصناديق السرية والمخابى الخاصة وأشترى المجوهرات وأخبيها ..
لكننى لم أكن سعيدا ابدا ..وكان ذلك الفراغ داخلى يكبر ويكبر ورصيدى فى البنك يكبر ويكبر ...وكنت أحس بأن حياتى ناقصة برقم وجود كل شىء
لم اتزوج لأننى كنت أرد على من يسالنى عن موضوع الزواج بأننى أخشى على أولادى .. من اليتم ..كنت اقول لهم بأننى أخشى عليهم من حياتى التى عشتها
ولكن السؤال المهم ؟؟؟
هل أنا فعلا أخشى على أولادى من اليتم ...أم أن خوفى من الزواج ومصاريفه وتكايف الحياة الزوجية هى التى تمنعنى ...
هل هو خوفا من الحياة ؟؟؟
ام خوفا من الانفاق على الحياة ؟؟؟
ومازلت حائرا ..وقطار العمر يمر ...ورحلت الحياة تمضى ...وأسمى رضا ولا أحس بالرضا
هندى عثمان – الخبر