كوبرى المقابر ...

كوبرى المقابر

رقم 72

العطش الذى يمر به مشروع الجزيرة هذه الأيام عملية متكررة كل عام فى هذه الشهور ...ففى شهر أكتوبر عادة ماتنقطع المياه عن المشروع مسببة حالة عطش حادة تقوم بدورها فى خلق كثيرا من المشاكل والفوضى والهلع ...وعطش الزراعة مؤلم جدا وعلاقة المزارع بزراعته فى ايام العطش علاقة مؤلمة..لا أجد شبيها لتلك العلاقة إلا علاقة الوالد بولده من حيث الإرتباط ...

كان ذلك فى تسعينات القرن الماضى ...فى ذات ليلة شتوية باردة وفى ظلام حالك فى شهر نوفمبر ومحصول الذرة فى مرحلة( مابين شراية ولبنة ) ولكنه يمر بحالة عطش تنذر بهلاكه والمياه بسيطة فى قنوات الرى وغياب تام للجهات المسئولة عن رى المشروع وفوضى عارمة فى الحواشات فالكل يريد أن يروى زراعته فالعطش كافر مثل الجوع الكافر الذى سوف يعقبه ..(عض عيشى ولا تعض رغيفى) ...وعكازى وعكازك

كانت المياه مفتوحة فى حواشتنا ولكننا كنا نعانى من إنقطاعها مرات ومرات فى اليوم لأن الكل طامعا فيها وكنا دائما مانعانى من أصحاب الحواشات الأوائل فى سد القناة الرسمية (أبوعشرين) فتنقطع الماء عننا ..وخصوصا فى الليل ...

فى تلك الليلة خرجت من القرية حوالى الثانية عشرة ليلا ..فى ظلام حالك والناموس اللعين يفتك بارجلى والحشائش الجافة تعيق حركتى ذهبت لأتفقد المياه ...عندما وجدتها قليلة جدا .. تتبعت ابو عشرين لكى أستكشف أين قفلت ومن هو الذى وضع سدا فى طريقها ...بعد مسيرة قصيرة وانا أتابع ابوعشرين متجها نحو الترعة الرئيسية وجدت سدا ..

وقفت بجواره وهممت ان أكسره ..ولكن من بين عيدان الزرة اليابسة خرج رجلا أسمرا طويل القامة عاريا ليس عليه سوى سروال ممزق ملطخ بالطين وقف مواجها لى ..وكان يحمل كوريقا وقال لى إذا كسرته سوف ترى ...

كنت أحمل طورية طويلة ...وكان واضحا أنه إذا نشبت معركة سوف تكون الخسائر كبيرة لأن الظلام حالكا ولا يوجد غيرنا فى تلك الساعة ...

مرت دقائق صمت رهيب والرجل واقف قبالتى ممسكا بكوريقه ..

فى لحظة لم أدرى هل هو تهور ام هى شجاعة عبيطة رميت طوريتى وأمسكى بكوريقه ونزلت فى السد بأرجلى حتى انكسر حدث كل هذا واننا ممسك بكوريقه بقوة وهو ممسكا به وقلت لنفسه لن ادع له فرصة ليفعل شيئا...وحدثت بيننا مشاددة ..فقلت له فى تلك اللحظة أنت ليس صاحب الحواشة وليس لك الحق فى إنشاء هذا السد...وهذه مشكلة بالنسبة لك إذا ذهبنا للمفتش ..

هدا الرجل قليلا وقال لى أنا شريك ...والشريك مثل المالك وإذا لم لم أسقى حواشتى سوف لن اجد ما أكله ..أنت ربما تجد ولكننى لن اجد..واليوم موت موت حياة حياة...قلت له ليس لك الحق فى التحكم فى المياه وصاحب الحواشة موجود ..ثم أننى لا أعرفك ولم اراك من قبل

المهم ..بعد جدال طويل أتفقنا على ان نذهب لصاحب الحواشة فى القرية المجاورة لنا

لم أكن أعرف ذلك الرجل ولكننى اعرف المالك الرئيسى للحواشة...وكان بيننا اتفاق على أن تكون لهم يومين ولنا يومين فقلت للرجل تعال لنذهب له ونذكره بالإتفاق المبرم بيننا بوجود الرجال ...

خرجنا معا من الماء وحملت طوريتى وحمل هو كوريقه وذهبنا معا ناحية القرية ..

فى الترعة الرئيسية ونحن متجهان ناحية القرية تقابلنا مع مجموعة من الرجال وكنا نعرفهم سألناهم إلى اين هم ذاهبون فى تلك الساعة ..

قالو لنا أن فلان قد توفى ..ونحن ذاهبون للمقابر لحفر القبر..

وفلان هذا كنا نعرفه جميعا مزارعا بيننا وكانت له صولات وجوالات ...

فى لحظة نسينا كل شىء

نسينا مشكلتنا وخلافنا

نسينا الماء والعيش والخبز ...وحتى الجوع ..

وذهبنا معهم للمقابر ..كوبرى المقابر

وأنا حفرت بطوريتى ...

وهو اخرج التراب بكوريقه ...حتى جهزنا القبر وجاءت الجنازة وتم الدفن ..و

ولم ناتى بسيرة ماحدث بيننا ..

لأننا كنا فى حضرة الموت ..

وفى حضرة الموت تخرس الالسن وتدخل الرهبة فى القلوب ولا تساوى الدنيا عنده جناح باعوضة ..

هندى عثمان - الخبر

لك التحية ابوعثمان.الواحد بيتسال لماذا يتم تدمير هذا المشروع العملاق بصورة ممنهجة وبسرعة الصاروخ .لا ادي ما الذي حدث للمزارعين ان يقبلوا ويقدموا التنازلات وهم يرون كيف اصبح حال مشروعهم وللأسف يصوتون لقيادات كأنها خشب مسنده هندام من غير فكر ولا راي.لذلك اري انه سوف ياتي يوم يجدون حواشاتهم بيعت لمستثمرين وهم لا يدرون شيْ
!حليل أهلنا زمان وزمن ابووافي اخر بيت( حواشة احمد وعلي حاج الامين تجيب 50شوال عيش وقمح

كبرى المقابر

قصة رائعة بحق.. مستلهمة تماما من واقعنا .. اعتقد ان هذه القصة حقيقية ..في حضرة الموت ...