الشقائق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى قرية طيبة الشقائق
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
منتديات قرية طيبة الشقائق ترحب بكم ونتمنى لكم اجمل الاوقات معنا مع تحياتى مدير عام المنتدى
 

 

 امراة زايعة الصيت

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هيثم صديق
عضو نشط
عضو نشط
هيثم صديق


ذكر عدد الرسائل : 53
العمر : 39
البلد : السودان
نقاط : 56163
تاريخ التسجيل : 23/07/2009

امراة زايعة الصيت Empty
مُساهمةموضوع: امراة زايعة الصيت   امراة زايعة الصيت I_icon_minitimeالخميس نوفمبر 26, 2009 7:21 am



قصة قصيرة للكاتب ألبرتو مورافيا

22/01/2006 النظام يغلف كل شيء، في المطار توقفت على مقربة من الطائرة، حشد من الجمهور تدفق نحوي، وهج من النور ينبعث من افريقيا ويجعلني غير قادرة على الرؤية بوضوح، ومن خلال النور بدا الافريقيون وكأنهم اشكال معتمة اللون في الجهة السالبة من الصور، اما الأوروبيون فمن المؤكد انهم قد تواروا عن الأنظار في سنا ضوء الشمسِ
على أي حال استطعت ان أميز الوزير الذي رحب بي باسم الجمهورية التي زرتها في رحلة سياحية منذ مدة قصيرة مضت، هنالك ثلاثة أو أربعة مصورين وقد وقفوا أو جثوا على ركبهم وهم يصورون بحماس، بهوس، وهنا وقف اثنان أو ثلاثة محررين مع اقلام تدون ردي على الوزير في دفتر الملاحظات الخاص بهم، فتاة افريقية صغيرة ترتدي رداء أبيض قدمت لي وهي تنحني باقة من الزهور الذابلة، ثم تسلقت سلم الطائرة ببطء وتأن كي امنح المصورين الفرصة لان يلتقطوا بسمتي الشهيرة، ولكن ما ان وطئت قدماي مدخل الطائرة حتى اسدلت الستارة فجأة على بسمتي، حتى المضيفة التي ينبغي ان تعرف هي نفسها جيدا معنى تلك البسمات المزيفة، خشيت من انه ربما ألم بي مكروهِِ
هززت رأسي وجلست وأنا أجد صعوبة في مقاومة الدمع الذي تدفق من عيني ليبلل خدي، أحس خطرا رهيبا مروعا، احسه الآن، انه يلازمني دائما، على الاقل لعامين طويلين، انه خطر يدفعني الى عرض مرتبك خجول، وعندما ابصرت بنطلونا أبيض لرجل يجلس بجانبي كان هذا كافيا لان ألفت انتباهه وانا اربط حزام المقعد هنالك افتراض واحد من مليون بان هذا الرجل لا يعرف من أكون، افتراض واحد من ألف مليون بان هذا الرجل لم يكن من المعجبين بي، لا، لا، أنا لا أريد ان اغامر بضياعه، لكن ماذا لو اتضح لي انه احد اولئك المعجبين المألوفين؟ معجب يثير النفور والاشمئزاز، سيكون من السهل لدي ان اجعله يقف في حدوده بواحدة من تلك الأجوبة الملأى بالاهانة، بالتهكم، والازدراء، الأجوبة التي انا مشهورة بهاِِ
وبعد ان بدأت الطائرة سيرها حول ساحة الطيران توقفت محركاتها لتدور بأقصى سرعة، لم اتمالك نفسي ووجدتني انظر الى يد جاري وقد تركها على مسند الكرسي، يد شاب ضخمة، قوية لها نوع مميز من اللون الأحمر القاتم، لون دم لم تكن عيناي قد وقعتا عليه ابدا من قبل، ألمي ـ على أي حال ـ كان أقوى من فضولي، اخذت بالبكاء ثانية وانا انظر الى التنبيه المضاء في النهاية البعيدة من الطائرة، 'اربط حزام المقعد، امتنع عن التدخين' وفجأة اخذت الطائرة تشمخ نحو السماء في خط عمودي تقريبا، وضعت يدي فوق يد جاري كما لو كنت خائفة، الطائرة تهتز بعنف وتتيح لي فرصة ان اضغط بها على يده بانفعال، ثم ادرت رأسي ونظرت اليهِِ
لم أكن مخطئة، ها هوذا، شاب أنيق كلي ثقة بانه يجهل من أكون، شيئان تغلغلا في اعماقي، لون رصاصي يميل الى الخضرة ونوع مادة سائل في عينيه اللتين بدتا وكأنهما جردتا من النظر واعميتا بالسائل ذاته، والاختلاف الظاهر بين لون الوجه الأشقر ولون يديه القاتمتين، تبادلنا النظرات، انحدرت دمعتان فوق خدي فقلت وأنا ألهث، 'احس بالوحدة لدرجة القسوةِِ'، اجابني بابتسامة عريضة تكشف عن أسنان بيضاء حادة كالتي يمتلكها الثعلب، 'امرأة جميلة مثلك، وحيدة؟!'ِ
'وحيدة تماما لانني جميلة'ِِ
'انه لأمر غريب، كم ظننت ان الجمال يخلق الصداقات والمودة والعلاقات الغرامية بسهولة'ِِ
'أجل، لكن بشرط ان يقف خلف السوق'ِ
'أي سوق هذا؟!'
'
السوق الذي يعرض فيه الجمال، مثله مثل أي سلعة أخرىِِ'ِ
'ثم ماذا بعد ذلك؟'ِ
'ثم تتوقف المعرفة، الصداقة، العلاقة الغرامية التي تتطلب ادنى درجة من الاختبار، من الحرية، من الاستقلال، لن يكون هناك سوى سعر السوق العالي أو الواطئ'ِ
'وجمالك، هل يقف خارج السوق؟!'
وجاء السؤال في نغمة صريحة لا مجال للشك فيها، لا ليس هناك أي تكليف فيها، انه حقا لا يعرف من أكون، قلت مع تنهيدة 'كلا، جمالي ولسنوات في السوق، أنا نجمة سينمائية، في الحقيقة مشهورة جدا، اما أسعاري فهي ضمن الأعلىِِ'ِ
'آوه، حقا؟!'ِ
كنت في شك من أمره، ترى هو يهزأ بي؟ بسمة الثعلب التي تطل من شفتيه، الغموض الذي يحتوي نظرته، كلها تغمرني بالقلق، قلت بحزم 'ادعىِِ' اعطيته اسمي كاملا، لم تحركه كلماتي، اضفت 'ربما، لم تسمع باسمي ابداِِ'ِ
اجاب مع شيء من الارتباك 'كنت ولسنوات عدة في منطقة بعيدة عن افريقيا، انا مستكشف عشت ولست سنوات في جزء مقفر مليء بالمستنقعات والغابات والنباتات المتسلقة والحيوانات المتوحشة، لا أخبار تصلني من العالم الخارجي، غير انني سأرى افلامك عندما أكون في أوروبا، ولكن لم تبكين؟!'ِ
هززت رأسي وانا عاجزة عن الكلام، وبشدة ظلت يدي تضغط على يده، ثم هدأت وقلت، 'تستطيع ان تحكم بنفسك، ولدت في قرية ريفية صغيرة سكانها حوالي خمسة آلاف نسمة، لاحظ كلمة خمسة آلاف، خمسة آلاف شخص يكون عددا لا بأس به لكن خمسة آلاف ساكن يكون موقعا محليا صغيرا، انه واحد من تلك الأماكن المحلية حيث يوجد فيها نموذج واحد من الأشياء، صيدلية واحدة، كنيسة واحدة، مكتبة واحدة، مقهى واحد، سينما واحدة وهكذا، وفي سن الخامسة عشرة عرفت الخمسة آلاف ساكن في قريتي الصغيرة جميعا وهم عرفوني، اذا خرجت عند الغروب لنزهة على قدمي يسارعون لتحيتي التي اردها لهم، اذا ذهبت الى السوق فاصحاب المخازن ينادونني باسمي وانا اناديهم باسمائهم، لو قمت بجولة على قدمي خارج المدينة وعلى امتداد الطريق الرئيسي فأنا أعرف الفلاحين الذين يعملون في الحقول وهم يعرفون جيدا من أكون، في الحقيقة انا عرفت الخمسة آلاف شخص وكنت معروفه لهم جميعا بصورة مباشرة، ودودة وبوضع ينم عن المادة، وعندما أقول مادة أعني هؤلاء الناس كلهم يمتلكون عيونا تركزت لا على صورتي فقط بل علي شخصيا لحما ودما، وأنا بدوري امعنت النظر اليهم، والآن دعنا نقفز عشر سنوات الى الأمام، أنا في الخامسة والعشرين، مشهورة، وكما اخبرتك احس بالوحدة أكثر فأكثر، أنا لست امرأة حمقاء، فأنا اعرف ماذا تعني ماذا، لا اتوقف ابدا عن التفكير بالعزلة التي انا فيها، واخيرا، تبدو لي انها من الممكن ان توضح بهذا الشكل، الوحدة التي احسها ناتجة عن خطأ بي، أوه كيف استطيع ان أشرح ذلك؟ عن خطأ في الحساب، انها كما لو تكون في بداية مراحل نجاحي المهني، كم قلت لنفسي يومها وأنا شابة مغمورة في مدينة ريفية كنت معروفة ومحبوبة وبشكل مادي الى خمسة آلاف ساكن، ولأسباب أكثر لماذا وأنا معروفة الى العالم أجمع وسأعرف وبشكل ودي ومادي ملايين وملايين من الناس، ان هذا الود المتكاتف سيدفئ قلبي ولن يجعلني احس بالوحدة مرة أخرى ابدا ابداِِ
'بدلا من ماذا؟'ِ
'كانت غلطة كما قلت، ان تشتهر يعني ان تكون وحيدا، الشهرة هي كالزجاج في شباك مخزن، أنت توضع للعرض الكل ينظر اليك وهم ماضون على الرصيف، لكن لا يستطيع احد ان يلمسك وأنت أنت نفسك لا تستطيع ان تلمس أحدا، أنا أعني فعلا تلمس، كما ألمس أنا يدك هذه اللحظةِِ'ِ
نظر الي بعطف وحنو، ربما، لكنه قال 'هذا لا يهم، انك مشهورة'ِ
'هل تظن انه لشيء جميل ان تكون مشهورا؟!'ِ
'انه أروع شيء في الوجود، أنا نفسي أقوم بعمل أي شيء، أي شيء لأصبح مشهورا، حتى لو ارتكبت جريمة'ِ
'سوف تصبح مشهوار لمساء واحد فقط ومع الطبعة الثانية من الجرائد تكون قد اختفيت في اللاشيء مرة أخرى'ِ
'وما الذي يجعلك تعتقدين بانني سوف اقتل شخصا عاديا، أنا سوف أقتل شخصا مشهورا، ان شهرة ذلك الشخص سوف تصبح لي، تماما كما هي الحال هنا في افريقيا، لقد اعتقد الناس يوما بان من يأكل كبد العدو يرث شجاعته'ِ
قطع حديثنا بدء الطائرة بالهبوط، وفي الوقت نفسه، وبينما الطائرة تلمس الأرض وهي تفاخر بأزيز محركاتها اذا بجاري ينهض من مقعده ويتقدمني نحو الباب، رأيته على رأس صف من المسافرين يتهيأ للنزول، عشرون شخصا بيني وبينه مما جعلني اقتنع بأنه سوف يتوه عني، لقد كنت وحيدة قبل ان التقيه، كنت واياه اكثر من ساعة واحدة، ها آنذا سأكون وحيدة، مرة اخرىِ
في فندق الدرجة الاولى وفي عاصمة الجمهورية الافريقية الجديدة اعدوا لي جناحا خاصا، غرفة نوم مع غرفة استراحة وحمام، على المنضدة وضعت سلة كبيرة ملأى بفاكهة المنطقة الاستوائية ورسالة مختصرة لم افتحها لانني اعرف مقدما ماذا تحوي - تحية مجاملة من الادارة - ارتديت قميص نوم واتجهت نحو الشباك، نظرت الى الخارج، الشباك يطل على البحر الذي بدا هائجا ذا لون ابيض تقريبا، انه يغلي في ضوء يثير الضيق ويملأ السماء المظلمة بالضباب، وفي الجهة المقابلة للفندق تماما وعلى الجانب البعيد من المتنزه المهجور كان اعلان كبير له حجم شاشة السينما وتحت العنوان وفي احرف بارزة حمراء بدا اسمي ِ ثم ظهرت مع البطلِ
هنالك طرق على الباب، ناديت ادخل، لم افاجأ وانا ارى جاري في الطائرة، اقفل الباب، تقدم نحوي ثم ابتعد قليلا وقال 'تظاهرت بانني لا اعرف من تكونين لكنني كنت اعرف ذلك طول الوقت، عرفت ذلك تماما، كثير من المجلات اعتادت ان تصل الى العيادة الطبية كم قطعت صورك وعلقتها على جدران غرفتي'ِ
- لماذا، اي عيادة طبية هذه؟! ألست مستكشفا؟! ألم تسكن لسنوات ست في منطقة ملأى بالمستنقعات والغابات؟
- اجل، تماما، هذا ما قاله الطبيب لي ايضا، انت مستكشف، كنت مختفيا بعيدا بين المستنقعات والغابات، يجب ان تخرجِ
فجأة ادركت ما الذي كان يحدث لي، ثم وعلى الفور، ما حدث لي في الماضي القريب، وما الذي سوف يحدث، هل كنت خائفة؟! حقا لا، ولكنني تظاهرت ان اكون، اطلقت نفسي منه مع صرخة من الرعب الهادئ، ركضت نحو الباب، ادركت انه اغلق الباب ووضع المفتاح في جيبه بيد انني تظاهرت بضرب الباب بقوة بقبضة يدي، كنت ممثلة فضلا عن كل شيء وكممثلة سوف اموتِ
اطلق الرصاصة الاولى وانا اقف قرب الباب ثم انزل اثنتين او ثلاثا او اربع رصاصات اخرى بي، تركت الباب لأتمدد فوق السرير كي اموت الميتة اللائقة، ادركت انني قد فقدت الكثير من الدم واغلقت عيني، فتحتهما ثانية، ربما على الفور، رأيته وقد انحنى علي وهو يتفحصني، احسست بحاجة الى ان اقول له شيئا مؤثرا، شيئا يهز الاحاسيس، قبل ان افارق الحياة همست وانا الهث 'هل انت مسرور يا ولدي العزيز؟! سوف تصبح مشهورا، اجل مشهورا في كل انحاء العالم'ِ

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
امراة زايعة الصيت
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  قصة دهاء امراة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشقائق :: الثقافى :: القصص والروايات-
انتقل الى: