الرى
رقم 75
أسمى سمر والدى مهندس رى فى إحدى القناطر النائية فى مشروع الجزيرة ...يومها كنت أدرس بالجامعة وكنت أسكن لدى أسرة جدى فى البيت الكبير فى أمدرمان ..واكون فقط فى امدرمان ايام الدراسة ..أما فى الإجازات وحتى يوم الخميس والجمعة كنت اذهب إلى أسرتى داخل المشروع ...ثم أعود يوم السبت صباحا ..
كغيرى مثل الكثيرين كنت اكره يوم السبت لأنه ينتزعنى إنتزاعا من حياة الريف والفطرة الربانية والهواء الذى يغسل الدواخل ...القنطرة التى كنا نسكن فيها من بقايا الأرث الإنجليزى ..المبانى فخيمة وواسعة ..ذات صالات واسعة مكسية من الشبك الناعم الذى يصفى نسيم الحقول فيدخل إليك كأنه تكييف طبيعى ...مازالت هناك حدائق ومزارع وبقايا من أنواع من الازهار التى قل أن ترى مثلها فى مكان أخر ..
كانت هوايتى هى الجلوس فى حديقة المنزل تحت شجرة نيم كبيرة اربط على فروعها (مرجيحة ) من شبك ناعم بين فرعين كبيرين ..تتمرجح بى وانا شبه نائمة فى لحظة تتداعى رهيبة بين اليغظة والمنام لحظة نادرة لترطيب الأعصاب المجهدة من رهق المدينة ..
كنت ذات يوم أستلقى على الشبكة ويشغل تفكيرى قضية كانت مثار نقاش طويل بين شلة الجامعة وهى (الحرية والقيود)
كان البعض يرى ويقول يجب أن تعيش الحرية بدون قيود وكان البعض الاخر يرى أن يكون هناك ضرورة لتقييد الحرية ...وكل فريق يدافع عن فكرته ...وكلا يدافع عن منطقه من زاوية وكلا له حجة ومنطق
نظرت إلى الحديقة من حوالى والخضرة البديعة التى تكسو المكان والجداول التى تسير رقاقة بين جنبات المكان ..والعصافير بألونها البديعة
أغمضت عينى وبداءت أفكر فى الدنيا إذا كانت بحرية مطلقة نفعل مانشاء وقت مانشاء نذهب مع من نشاء ونأكل وننام حيث نشاء ....نقول مانشاء و كل مانشاء
عندها كيف يكون حال الدنياء ...أكيد ستعم الفوضى كل الدنياء وتكثر المشاكل وينفرض عقد المجتمع لأنها عندها لاقانون يردع ولاعاقل يسمع ...لأن طاقات البشر فى البناء والتعمير سوف تهدر فى الفوضى والدمار
حمدت الله فى سرى أن جعل القوانين التى تقيد الحرية لتصبح الدنياء أكثر نظاما وتذكرت حديث المصطفى (ص) إذا لم تستحى أفعل ماشئت ...فالحياء من النظام والفوضى من الخراب ...
فتحت عينى ونظرت إلى إرجاء الحديقة العامرة ونظرت إلى جداول المياه...روائح حبوب اللقاح والازهار المتفتحة تبث النشوى والحبور وقلت الحمد لله ..
وقلت فى نفسى أحمد الله على هبة النيل ...ثم
ثم خطرت لى فكرة قديمة جديدة وهى أن المياه التى كانت تسير فى هذا النيل العظيم كانت تسير بحرية من المنبع للمصب لا كابح لها ولا ضابط لها تمر عليها فترات جفاف وفترات فيضانات مدمرة..ثم
ثم فكر الأنسان وجعل السدود على النهر فتجمعت المياه فى بحيرة كبيرة تخرج منها قنوات تسير فى إنتظام وفى أوقات معلومة فأستفاد الأنسان من مياه النيل التى كانت تذهب للمصب هدرا ...أستفاد منها فى الكهرباء وفى الثروة السمكية وفى رى المشاريع عبر ترع كبيرة وقنوات صغيرة حتى وصلت الماء إلى هذا الجدول الذى تنبت عليه هذه الأزهار البديعة ...
لو لم يكن هناك سدود على النهر لن تكون زهرة ولاشجرة ولا ثمرة ولاهواء عليل
الحمد لله الذى أنزل قانونه الربانى لينظم هذا الكون البديع ...لنستفيد من طاقاتنا فى شىء مفيد ...
هل هناك حجة أفضل من هذا ...كلا والف كلا
هندى عثمان - الخبر