الفصل الخامس عشر

الفصل الخامس عشر

فى الايام التالية ..
فى الايام التالية كانت الامور تسير سيرها الطبيعى ..ولم يذكر احدهم البنطلون المشكلة مرة اخرى طبقه محمود بعانية وادخله فى كيس ثم ادخله فى كيس اخر ووضعه داخل صندوق الذخيرة ولم يذكره طاهر ولم يحاول محمود ان يذكره له ..
وتحفظ طاهر على الموضوع ولم يحاول ان يذكره امام سلمى ..بذل مجهود نفسى جبار كى يبدو طبيعيا امامها بل احيانا يفتعل المرح افتعالا ..
بجانب المجهودات النفسية كان يبزل مجهودا جبارا فى العمل والتوفيق بينه وبين الدراسة ..كان يحمل هم والده الذى جف عوده مع بداية العام الجديد … دافعه على ذلك الشعور بالمسؤلية والدين على عاتقه ..امه الطيبة المسالمة التى تواجه متاعب الحياة وشظف العيش بصبر وايمان ..سعاد وسعدية العيون التى تحمل الامل والبريق فى غدا افضل ..فى الايام الجميلة التى لم تأتى بعد
خوفى ان لاتأتى ابدا ..
هم للدراسة وهم للعمل مع الوالد فى عمليات الزراعة والرى ونظافة الحشائش ..الحش اصعب العمليات الزراعية ياتى فى زمانا تعز فيه اليد العاملة ..
كان يقاتل الطبيعة ويحمل الطورية ضد النجيل وذهنه مشغول بمسألة مثلثات ..
كان والده يقول له لاتنسى الحديدة التى ستنظف بها الطورية ( الحكاكة ) ويرد طاهر بذهن شارد جتا س = 50
وعندما يقول له والده سعر انقاية العيش ارتفع ونزول المطر يزيد الحال سؤا كان ذهن طاهر مشغول هل المراية كانت محدبة ام كانت مقعرة ..وهل البعد البورى بالسنتمترات ام بالبوصات ..احيانا يتمتم بها حتى ان والده يسمع بعض الكلمات التى لايفهم معناها ..
الوالد العميق النظرة يرى كل ذلك ويخاف على ابنه من الجنون ..يقف لحظات يتأمله ثم يواصل
89


العمل ..تكررت مثل تلك الاشياء ..
وفى ذات يوم قال له اذهب الى الجدول هناك واحضر لى الكدنكة …. ولكن طاهر ذهب واحضر له الملود ..
وقف حاج يسن من الحش ويده تحمل الحديدة ويحك فى الملود وقف طويلا وحدق فى ابنه بتمعن وقال له ..
- طاهر
- نعم ياابوى
- ياابنى صاحب بالين كذاب وانا لم اعلمك الكذب
- معليش ياوالد
- ياابنى انا بصير على عملى اذا كان فيه لك مشقة وتعب اتركه لى
طاهر : انا اسف ياابوى
ارجع طاهر الملود واحضر الكدنكة ..
واستمرت عملية الحش والملايد السنينة تحصد النجيل المستبد والعرق يتصبب باردا فى هذا المناخ الخريفى البارد ..طائر يقف فى الهواء ويصدر صوت مغرد ..صوت حاد لا يتلائم مع حجمه الصغير ..جلس طاهر على الجدول ونظره على الطائر الذى يشبه طائرة الهيلكوبتر المعلقة فى الهواء فى مكان واحد ..
الجوء خريفى بديع الغيوم تظلل المكان ..والزرة اخضر يتمايل مع النسيم ..المزارعين على مد البصر ينتشرون فى النمرة ..نظر طاهر هناك فى طرف النمرة اسرة صغيرة الزوج والزوجة وطفل صغير الزوج والزوجة يعملون والطفل يلعب على الجدول ..برقم الاجهاد الذى يعانون منه الا ان فى حياتهم متعة واضحة ..ثم صوت عالى لعربة لورى متوحلة فى الطين ..
الدراسة هم ..والاسرة هم ..وسلمى هم ..هم سلمى هو نجا حها فى الرياضيات …
برقم الارهاق ذهب اليها ذلك المساء ..
كان واضحا انه يعانى الارهاق ..لاحظت سلمى ذلك ..لاحظت انه لايحصر ذهنه فى الدرس الذى امامه ..تاكدت من انه متعب عندما رأت خيط احمر فى عينيه ..خيط او هو خيط يحمر فى العين عند التعب ..وتثاوب مستمر ..نظرت اليه تمعنت اصابعه القوية ..فيها بعض الخشونة وهو
90


ممسك بالقلم الجاف يكاد يعتصره ..فقعات فى يده بعضها منطفى والاخر مازال حيا من اثر المسك بالطورية ..احست بالعطف تجاهو ..وتمنت لو ان بيدها شيئا لتفعله من اجله ..لكن ..م
تمعنته طويلا وقالت له
سلمى: طاهر
طاهر : نعم نعم ياسلمى
سلمى : اراك اليوم متعبا والارهاق واضح عليك اذا كنت لا ..
طاهر : لا ابد المهم انت لازم نواصل المشوار
سلمى : تعرف ياطاهر هذا الدرس شرح لنا فى الكورس الصيفى ..
طاهر : لاول مرة اعرف انك التحقتى بكورس صيفى
سلمى : تمنيت ان تكون معنا ..كان ذلك فى الاجازة الصيفية ..كان يمكن ان تستفيد خصوصا المجال العلمى اساتذته كانو ممتازين ومشهورين كان افادوك فى الفيزياء والكيمياء
طاهر : تلك محاسن المدن ومساوى الارياف
سلمى : بالعكس تلك اشياء بسيطة يمكن ان تقوم فى اى مدرسة ..حتى حلة الجعلى لو كان الشباب نشيط كان ممكن تعمل واحد
طاهر : يقال ان فى المدينة الدروس الخصوصية منتشرة والمقتدرين يجلبون اساتذة لكل مادة ..
طاهر : وهذا هو السر فى انتقال التفوق من الريف الى المدينة ..زمان كان الفهم السائد ان الجامعة يدخلوها ابناء الريف الغبش ..لكن اليوم الجامعة لايدخلها اغبش الامن رحم ربى
سلمى : لا اظن ان هذا سببا كافيا لانتقال التفوق من الريف الى الحضر
طاهر : بالطبع هناك اسباب من اهمها هجرة الاستاذ الى المدينة ..طبعا للعائد المادى السريع فى الدروس الخصوصية ثم التردى الحاصل فى الداخليات فكثرت الاضرابات وتتوقف الدراسة فى العام الواحد عدة مرات بسبب ردائة الطعام خصوصا أن الفرص ضيقة ..ثم الباعوضة ..
الباعوض اللعين الذى يفتك بالاجساد المنهكة ..تعرفى ياسلمى لسعة باعوضة واحدة كفيلة بان تعكر المزاج وتجعل نفسك مسدودة تجاه الكلمة المكتوبة ..والتى تبحث عن منفذ لتدخل الذهن المكدود ..
ضحكت سلمى وقالت لن تتوقف ابدا حربك التى تشنها ضد الباعوض ..
91


فى تلك اللحظات بداءت حبات المطر تتساقط فى دقات رتيبة ..ثم رويدا رويدا بداء المطر يشتد ويقوى
سلمى : يبدو ان المطر يزداد فى الخارج
قام طاهر واغلق النافذة ……
صوت المطر على سقف الحجرة المسقوفة بالذنكى يطفى على الغرفة بهاء من نوع خاص ..رائحة الدعاش مع رائحة هذه المراة الفاتنة سحر يبعث النشوى والحبور فى النفس … فى هذا الجو المشحون بالسحر والغموض اصبح طاهر سجين مع سلمى فى غرفة واحدة ..دقات المطر الرتيبة على سقف الحجرة تشكل معزوفة جميلة كل هذه الاشياء ممزوجة مع رائحة سلمى فاصبح المجموع مثل رائحة الضريح او الطفل الوليد ..
فى جو المطر ينشط الخيال وينطلق فى سموات ارحب فيرتاد مناطق بعيدة وتتمنى النفس لحظات العناق والشبق .. والغموض والفوضى ..قال طاهر لنفسه ماذا سيحدث لو قام المرو من مكانه وارتمى فى حضن هذه المراة الرائعة وبكى على صدرها احزان عمره ويطفى هذا الصهد الذى يمزق الجسد المتعب ..
سلمى : انه لجو جميل ..انا احب المطر ..
طاهر : وانا كذلك احب المطر .لكن
سلمى : لاشك انك تحب المطر ولا اظن ان هناك اروع وابدع من هذه اللحظة ..انا احب المطر ..ودائما عندى اعتقاد ان حبى للمطر هذا نابع من ان لى جد من اجدادى يسكن خط الاستواء …. وجدى هذا كاهن المطر وانا حفيدته ..وفى ايام الجفاف تاتى القبيلة الى جدى ليجرى لهم الطقوس لانزال المطر … وقد يمتنع المطر عن النزول ..ويمتنع جدى عن الطقوس … وجدى هذا يحبنى حبا شديدا ..عند امتناع المطر عن النزول وعند امتناع جدى عن الطقوس تأتى الى القبيلة وترجونى ان كلمه ..اذهب اليه ..ابكى على صدره اتدلل عليه وامتنع عن الاكل حتى ينزل المطر ..وعندما ينزل المطر اقبل جدى على جبينه واقفز من كوة الكوخ وانا عارية اتسلق الاشجار والتحف السماء واطارد القرود والنسانيس ..واجمع الباباى والمانجو والانناس ..وصبيان القبيلة يقدمون لى فروض الولاة والطاعة ..
احس طاهر ان ذلك الجو المشحون بالاثارة اثملها فحب ان يجاريها فى الوهم ..
92


طاهر : وماهو وضع حفيدة كاهن المطر فى القبيلة .؟
سلمى : بالطبع هى الاميرة فى تلك المملكة الزنجية طلباتها مجابة لانها اميرة الادغال تلبس فراء جلد النمر لتغطى به تفاحة حواء وصدرها عارى وشعرها ينسدل فى فوضى ودلال يزين بالصدف والودع والاحجار الكريمة تامر البنات بجمع ثمار المانجو والانناس ..والاولاد بأصطياد النمور والفيلة ..
طاهر : ياترى من يطلب يدها ..؟
سلمى : من حاول ان يطلب يدها او يدنو من سور حديقتها فهو ياولدى مفقود مفقود مفقود
طاهر : لماذا هى اميرة الادغال ام لعنة الادغال ..؟
سلمى : هى ليست لعنة لكن اللعنة مهرها
طاهر : وماهو المهر
سلمى : من يريدها عليه اصطياد الاسد قبل ان يجهر بحبها
طاهر : ومن لم يستطيع
سلمى : يضيع بين انياب الاسد
طاهر : تذكرينى بملكة النحل فى قتل عشاقها …بل هو شى عام لديكن لا ادرى لماذا تعزب الانثى الذكر الذى يحبها
سلمى : شىء لا ارادى او سميه صراع العواطف ..والمراة بطبعها خائفة من الرجل دوما ولكى تدافع عن نفسها تتبع عدة طرق ومبعث الخوف هجران الرجل لها وخوفها من الهجران يجعلها احيانا تتصرف معه بقسوة ..هذا فى الحب المتكافى ..اما فى الحب غير المتكافى فلسان حالها يقول انا استحق رجلا افضل منك ..فلماذا تاتينى انت
طاهر : فى سنة اولى علاقات انسانية قالو لنا من يقول لك احبك ..من ابسط الاشياء ان تقول له شكرا
سلمى : امكانيات الرجل العاشق تحدد درجته فى وجدان المراة ..انها تقيس نفسها بالرجل الذى يعشقها ان كان متواضع الامكانيات تولد لديها احساس بالاحباط ..ويصدر عنها شىء لا ارادى ليرضى مراكز النقص فى داخلها ..ينصب ذلك على راس الرجل العاشق ..
طاهر : لماذا هناك شىء لا ارادى ..هل تصدر من الانثى افعال ضد ارادتها
93


سلمى : وهل جزاء الاحسان الا الاحسان
طاهر : ظلم مع سبق الاصرار والترصد
سلمى : وقد يكون نوع من الحب ..نوع قريب يعبر عن نفسه بطريقة ملتوية وقد يكون قمة الحب ..
طاهر : شىء غير مقنع ان تكون الاذية نوع من الحب ..
سلمى : ليس كل من يضربك يريد اذيتك قد يربت شخص على كتفك فيراها المتشائم قمة الاذية ويراها اخر
متفائل قمة الحنان ….. هذا يعتمد على الروح والاحساس ياملك الروح وال
طاهر : لا اظن ان مداعبة الاسود تشبه التربيت على الكتف .
سلمى : مع الاختلاف فى قياس القيم والقدرات بين قبائلكم والقبائل التى تسكن الادغال ..هنا يمكنك ان تجد المسافة اقرب نوعا ما ..
طاهر :هذا التفسير لا يقنعنى
سلمى : بماذا تريد ان تقتنع .؟
طاهر : المراة طبعها الحنان اذافقدته فقدت نفسها … اما الانثى التى توزى الزكر الذى يحبها هذه فى منظورى الخاص امراة مصابة بخلل وجدانى تصدر منها تصرفات تخالف المنطق والمعقول . .ويجب ان تعيد النظر فىصحتها النفسية الانسان عقل وعاطفة من فقد عقله يسمى مجنون والجنون درجات على حسب الافعال التى تجافى المنطق ومن يعانى خلل العاطفة ويوذى حبيبه هذا ايضا درجات وتحتاج ايضا لمراجعة الطبيب ..
سلمى : لاتنسى ان هذه الانثى لاتؤزى كل الزكور ..
طاهر : ان زكر النحلة هو اول من يموت بعد عملية التلقيح … مع العلم ان هى التى ارتضته ..
سلمى : ا خ خ حفيدة كاهن المطر تختلف عن ملكة النحل ..
طاهر : طبائع الملوك واحدة هى ملكة وانتى ملكة ..
سلمى : حفيدة كاهن المطر ارق من ان تقتل فراشة فكيف بالرجل الذى احبها ..الرجل الذى احبها واحبته يمكن ان تخلع له التاج وتجلسه على كرسى العرش بدل عنها .. بل وتفضل الجلوس فى الكوخ فى انتظاره ليعود لها بصيد الغزال فتقوم بشواء الصيد تحت ظل القمر … هو يسند
94


راسه على صخرة فى باب الكوخ يعزف على الناى وهى تعد له الشواء ..
طاهر : ارى انها الراية البيضاء
سلمى : انا احب المطر واحبك انت واذا سرت معك فى هذا النقاش ستضيع منى انت وسيضيع منى المطر ..ارجوك لاتفسد على اللحظة ..
عندما كان طاهر يقول لها وانا ايضا احبك ياحفيدة كاهن المطر كان خياله فى مكان اخر ..مسكينة سلمى لاتدرى ان هذا المطر سيضاعف القش والنجيل فى قطعة الارض التى قام بتنظيفها وحشها فى ذلك اليوم ..وان هذه المطرة بالذات ستضاعف سعر أنقاية الحش ….
فكيف لايحب طاهر المطر ..

















95

القطار الأخضر

القطار الاخضر