الفصل السابع عشر

الفصل السابع عشر

ومرت الايام ..
وبداءت رياح الامتحانات تهب ..
شهر مارس شهر الكوارث ..شهر الامتحانات فى جميع المراحل ..والشهادة السودانية على الابواب
وطاهر ذهنه مشغول وبدنه مشغول ..ذهنه مقسم الى غرف اول قل مكتب متحرك به عدة ادراج فى احد الادراج مذاكرته وامتحاناته ..فى الدرج الاخر امتحانات سلمى .ودرج لحب سلمى .ودرج لاعمال الزراعة وهمومها ..ودرج لصيانة المنزل الذى هدم الخريف احد جوانب السور ..ودرج فارغ للمستجدات ودرج للمرض ..
لقد ناوبته نوبات المغص ..وقال له محمود اشك انها البلهارسيا لكن الجيب لايسمح والوقت لايسمح .
بالنسبة للمذاكرة موقفه لابأس به ويستطيع ان يذاكر اكثر ..سلمى مستواها تحسن اكثر وبداءت تجادل فى حل المسائل وبداءت بانواع غريبة من المسائل كانت تحتفظ بها من ايام الكورس الصيفى ..
اما حب سلمى فهو الوقود الذى يسير به ..سأل نفسه ياترى لو لاوجود سلمى كيف كان سيكون شكل الحياة ..اصبحت الهواء الذى يتنفسه وبارقة الامل الوحيدة فى صحراء العمر ..فلنحب ولنترك الغد لخالق الغد ..
الزراعة منحه والده اجازة بالخصم لحين الانتهاء من الامتحانات ..والبناية بعد الامتحانات ..والذهاب الى الكشف والفحوصات فى الاجازة ..لو علمت الاجازة ماينتظرها لاعتزرت عن المجىء .
ومرت الايام
مرت مشحونة بالتوتر والغلق ..
وبداءت زيارته لمكتب التفتيش تقل ..
102

كان يزاكر فى منزله لساعة متاخرة من الليل ..نضب جاز الفانوس ..زجاجة الجاز فارقة بحث فى الدرج فوجد شمعة فأوقدها ..والقرية يلفها الهدوء والصمت والقمر يرسل اشعته الذهبية تتسلل اليه من خلال النافذة ..امتزاج ضوء القمر مع ضوء الشمعة يشكل لوحة سريالية على الجدار الخرب الذى تخرب لونه من اثر السنين وشخبطات سعدية ..
احس بشوق الى سلمى ..قام من مكانه واتجه نحو الدولاب الصغير واخرج مظروف ابيض كان يحتفظ فيه بالهدايا التى تاتى من طرفها ..اقلام .. وقطع الحلوة الصغيرة ..وسبايب من االشعر الغجرى المجنون ..كروت معايدة ..قصاصات من الورق ..
لفت ولاول مرة نظره بيت شعر عجيب ..
عجبت لمحب اذا رانى ماء مات من ظمأ ………………. واذا رانى فى النوم لم ينم ..
غريبة ماذا يعنى هذا البيت ..ولمن هو من الشعراء ..مكتوب بقلم الرصاص ..وفى طرف الصفحة مكتوب الرحمن الرح" longdesc="2" /> الرحيم ..بالعربى وبالانجليزى ..من اين اتتنى هذه القصاصة ..
ثم شيئا اخر لفت انتباهه ..ان جميع كروت المعايدة لاتخلو من القطط ..فى كرت قطة لوحدها ..وفى كرت اخر قطط كثيرة ..وفى كرت اخر رجل يداعب قطة .. ماهو سر القط ..
لماذا تحب بعض النساء القططة ..ماهو وجه الشبه بين الانثى والقطة ..هل هو النعومة والشراسة ..ام ..هناك من يقول بأن الأنثى أصلها قط ..يتطور إلى نمر
احس ان هناك اقدام حزرة تدخل الغرفة … كان يولى ظهره للباب فلم يرى الداخل ..بسرعة ادخل محتويات الظرف الابيض الكبير داخله ثم وضعه تحت الكتاب المفتوح امامه .. ثم ارهف السمع وبداء فى انتظار القادم ..
بعد قليل احس بيد صغيرة باردة توضع على كتفه ..التفت اليها لقد كانت سعدية ..اندهش طاهر لحضورها فى تلك الساعة ..الساعة تخطت الثانية عشر ..وجهها الابيض البيضاوى يعانى من مسحة ارق خفيفة ..خطوط النوم المتقطعة بداءت واضحة على قسمات الوجه البرىء ..شعرها الاسود الطويل ينسدل فى غجرية مجنونة على الوجه الذى بداء انه يعانى من شيئا ما ..اذهله حضورها فى ذلك الوقت
طاهر : سعدية الم تنامى بعد
سعدية : نمت قليلا ولم استطيع مواصلة النوم
103

طاهر : مابك مالذى حدث ..هل انتى مريضة .
سكتت سعدية وكرر طاهر السؤال ولكن سعدية لم تجب انما اجابت دموعها ..انفجرت باكية دموعها مثل حبات الخرز الابيض ..تتساقط على قستانها البسيط ..
احس طاهر بالخطر قام من مقعده وامسك بها ووضعها على حجره وجفف دموعها بفمه وقبلها وبداء يهدى من روعها ..
قالت سعدية وهى تنتحب ..المدرسة ..قالت ..لينا… تانى ..مافى ليكم…مدرسة
طاهر : لماذا ..
سعدية : لاننا لم ندفع الخمسة جنيهات
طاهر : وليه خمسة جنيهات
سعدية : رسوم امتحان ودرس عصر
ضحك طاهر وقال اذن هذا هو السبب ..لاعليك مشكلتك بسيطة ..الم تكلموا الوالد ..
سعدية : ابوى قال مفلس ..ابوى دائما مفلس
ضحك طاهر وقال لماذا لم تخبرينى .. قالت لانك لم تحضر مبكرا
فكر طاهر اذن عليه ان يدبر هذا المبلغ البسيط ..ولكن من اين والساعة الان الواحدة صباحا ..فكر قليلا ثم ابتسم ..
طاهر : مااسم تلك الاستاذة
سعدية : ست سميرة العويرة
ضحك طاهر وقال لها عيب ياسعدية …
سعدية : انا اكرهها
فكر طاهر قليلا ..سميرة ..سميرة محمود ..كنت فى اولى وكانت فى ثالثة اصبحت معلمة.. وكانت تعزنى مثل ابنها الصغير ..و..
اخرج ورقة بيضاء وكتب الى سميرة ان تمهله يوما واحدا ..
قال لاخته غدا احملى هذه الوريقة الى سميرة ..ولن يحدث لك شىء انشاء الله ..
سعدية : ولكن هل ستقبل
طاهر : ستقبل ياحلوة والان اذهبى لتنامى ..
104

سعدية : اريد ان انام معك ..
طاهر : ولكن الوالدة اذا لم تجدك ستعلن حالة الطوارىء فى المنزل ..
سعدية : طوارى ولاكواريق اريد ان انام معك ..
هذه الصبية الشقية لديها عناد قريب ..عناد اكبر من حجمها الضئيل ..نظرتها الساحرة البريئة مزيج من الاصرار والتحدى ..تتحدى اشياء لم تعرفها بعد
سعدية : الن تنام
طاهر : انا لا انام حتى تنوم هذه الشمعة
سعدية : الشمعة تنام ام تموت ..
طاهر : انها تموت من اجلنا ..بل انهاء مثلنا انا شمعة وابوى شمعة وانتى شمعة وكل ناس القرية شموع
سعدية : انا لااريد ان اكون شمعة
طاهر : اذن ماذا تريدى ان تكونى
سعدية : اريد ان اكون لمبة جاز لا بل لمبة كهرباء ..
ضحك طاهر قليلا ثم فتح الكتاب ليذاكر قليلا.
كان يقراء بعين والعين الاخرى يراقب بها سعدية وهى تجلس على طرف الكرسى بشموخ غريب ..اصرارها على عدم النوم اثار فضوله فبداء يراقبها ..جسدها الضئيل يهتز مع تنفسها المنتظم ترقب ظلها الذى يهتز على الجدار الخرب مع حركة الشمعة وتيار الهواء ..سبائب شعرها الغجرى مع ضوء الشمعة الخافت يشكل شارة تحدى لمستقبل مجهول ..خيط احمر احمر رقيق ظهر فى عينها اليمنى التى ترمقه بها بين لحظة واخرى ..
قام من مقعده ..ساوى ملاية السرير وجلب الغطاء ثم اطفاء الشمعة وارقد سعدية بجواره
وضع راسها الدقيق على يده واحكم الغطاء وقال الن تنامى بعد
سعدية : سأنام ياطاهر ..
من خلال النافذة بداء يراقب القمر وهو يرسل اشعته الفضية فى بهاء نادر ..كل فلسفات الجمال فى العالم لن تستطيع استيعاب جمال القمر …ترى لماذا ..لا شك انه تفرد الطبيعة وسر الاله الاعظم ..احس بأمتلاء عينيه
105

بأشعة القمر ..اغمض عينيه كان يريد تخزين الأشعة لأيام الظلام التى لابد إنها آتية ..
وهو مابين اليغظة والمنام تذكر بيت شعر مجهول …إذا راني فى النوم ..لم ينم ..هذا هو الدلال الممزوج بالأغراء ألتفت ناحية سعدية ..ولكنها كانت قد نامت وتنفسها انتظم ..

القطار الاخضر

القطار الأخضار

» الفصل السابع
» الفصل السابع والعشرون
» الفصل الاول
» الفصل الثانى
» الفصل الثامن عشر