الفصل السادس والعشرون

الفصل السادس والعشرون
اصيب طاهر بالذهول وبداء يخترف بعبارات غريبة ولايوجد بينها مايربطها ...كلام الطير فى الباقير ..حقنه الطبيب بحقنة منومة ثم خرج
تبعه محمود
قال الطبيب هل هو قريبك
محمود : صديق أعز من الأخ ..لو أن لى أخ لما كنت أحبه مثله ..
الطبيب : المعزرة ولكن لابد من إخبارك ...أن هذا الشاب مهدد بفقدان الذاكرة ...وربما يكون فقدها فعلا
هذه الحالة تكررت هذه الأيام ...على العموم ربنا يستر
قال الطبيب كلماته تلك بهدوء قريب ...أحس محمود بالارض تدور به وظل يردد مش معقول ...مش معقول طاهر يصاب بفقدان الذاكرة ..
العقل الحاد مثل السكين يصاب بالمرض ...طفرت منه دمعة حارة ثم عاد للعنبر
حكمتك يارب ..أن يصاب عقل طاهر بالمرض بينما عقول كثيرة فى دنيتنا هى المرض بعينه ..فى العنبر وجد الوالدة تجلس بجواره وتدلك فى أقدامه والدمع يسيل منها كالمطر بينما هو نائم نوما عميقا من اثر المنوم ..
نظر إليه محمود بحسرة ثم رجع إلى مكتب الطبيب
جلس محمود على الكرسى بجوار الطبيب الذى كان منهمكا فى كتابة تقرير طبى ثم رفع رأسه لمحمود
الطبيب : طبعا مازال نائما
محمود : نعم
الطبيب : ماحدث لهذا الشاب أذهلنى الصور تؤكد ان البلهارسيا بداءت تداهم الكبد لكن ليس بالخطورة المعقولة ..يبدوا أن كثرة العقاقير وعلاج الملاريا اثر عليه فأصاب مركز الذاكرة فى المخ
محمود : هل حالته خطيرة يادكتور
الطبيب : هى ليست بالخطيرة وليست بالشىء الساهل ...مشكلتكم ياناس الجزيرة إهمال المرض ..على العموم سنتابع معه العلاج ربما تستقر حالته قريبا بعد العلاج
وتابع ...ولكن قل لى هل تعرض هذا الشاب لهزة عصبية من أى نوع
محمود : يعنى بعض الشىء
الطبيب : أنا ارجح ذلك
محمود : هل الخلل فى الذاكرة من اثر المرض العضوى يحتاج للعلاج العصبى ..بمعنى هل يحتاج لطبيب أمراض عصبية
الطبيب : ليس بعد أتمنى أن لايحتاج ...نحن الأن فى البداية ..واتمنى أن يكون الامر بسيطا
محمود : ربنا يستر
الطبيب : نعم ربنا يستر
خرج محمود والحزن يعتصره ...توجه إلى العنبر وقبل أن يصله توجه ناحية بوابة الخروج
غلى أين سيذهب ...فقط ترك قدماه تقودانه ..دخل فى طريق جانبى ثم عرج على طريق اخر ثم اخر فى النهاية وجد نفسه فى الطريق المؤدى للإزاعة ؟؟؟ هنا امدرمان ..صوت الأمة
تملكه خاطر شيطانى ..وهو أن يحتل الإزاعة لمدة خمسة دقائق ويعلن للأمة السودانية الخبر الحزين وهو أن أبنها البار طاهر ودحاج ياسين مصاب فى عقله ..
تجاوز الإزاعة وتوجه ناحية البحر ..ولكن اين المنفذ إليه .. سارا بمحازاة طريق الاسفلت حتى وجد طريقا يقوده إلى شاطى النيل وهناك جلس على صخرة كبيرة ..
زفر محمود زفرة حارة وقذف بها فى النيل الهادر وتركها تسبح معه نحو الشمال ..تنهد طاهر الأن احس بالعجز ..أحس باليتم فقدت العقل الحبيب وبفقده احس بفقدان جزءا عزيزا من كيانى ..ضاع العقل النير والحديث العزب ..والفكر الوطنى ..العقل الواعى ...حكمتك يارب
العزاء الوحيد أنه مازال حيا يتنفس وعيونه البراقة مازالت بوميض الحياة ولكن ماهى الفائدة إذا كان لن يعرف من هى امه ومن هو ابوه ومن هو أنا ومن ومن
ولكن هل سنغيب جميعا عن عقل طاهر ...هل من الممكن أن ينسى طاهر أمه وانا ..وهل سينسى سعاد وسعدية ..هل يجوز أن ينسى سلمى ؟
أين هى رباه لماذا لم اتذكرها حتى الان
هل إذا راها طاهر سيذكرها الان
هل ستأتى معى لو ذهبت لها الان
سلمى السب المباشر لكل ماحدث لطاهر ...وإذا راها ربما يصاب بالجنون الرسمى لا ..لا سلمى إحضارها لايفيد ..ولكن
أظنه سيتذكر سعدية ...لايمكن ان ينسى سعدية ...الحمد لله سعدية فقط ستجعله يتذكر كل شىء
قام محمود قاصدا المستشفى ...عند وصوله العنبر وجد طاهر مازال نائما ...نادى على الوالدة وطمانها وقال لها أن الدكتور قال إنشاء الله أن حالته ستتحسن وإن الأمل قويا فى شفائه فقط عليك بالصلاة والدعاء
أحس طاهر بالهمس من حوله فبداء يتململ ويتحرك فى سريره ثم فتح عينيه ببط ء وقال وقال لمحمود منذ متى حضرت
محمود :حضرت الان
طاهر : هل أنتهى العمل
محمود : أى عمل
قال طاهر فيما يشبه النائم ...الملح ..السماد ..هل شتتم الملح للقمح ...القمح للملح ضرورى ..فدان الملح تلزمه ثلاثة جوالات قمح وجوال سيوبر ..
138

كتاب الأحياء ضائع منى هل هو معك ...إذا نزلت المطرة اليوم سيغرق العيش ...تعالى ياحفيدة كاهن المطر لا تتركينى هنا وحدى ...تعالى هذا هو خريف الوعد والبشارة ..بشراك ياوالدة سأدخل الجامعة ..الجميلة المستحيلة الجم
أحس محمود بالألم يعتصره ...وبكت الوالدة ...ليس هناك ملح ولاقمح نحن فى المستشفى ...تمتم محمود أه ياصديقى
محمود : كلو تمام
طاهر : الملح ضرورى للقمح ..أنت عارف أن الملح مركب كيميائى زراته تتفاعل مع التربة ويشكل خصوبة ممتازة مع السيوبر ..بعدها رية ممتازة ..هل الترعة فيها ماء ...هل رايت الخفير ..أنت لازم تروح تشتكى وزارة الرى فى الأمم المتحدة ..
حكمت محكمة امن الدولة بجلد الذبابة البيضاء اربعين جلدة ....وتكوين جيش متعدد الجنسيات لمحاربة الذبابة الحمراء ...كلم الجماعة يصلحوا الطيارة
القطن عطشان احضروا حفيدة كاهن المطر
لاتجعل مروة تبكى يامحمود ..أبدا
استمر الحال هكذا والوالدة تبكى ..أبنى ضاع منى ..أبنى ضاع
الوالدة تبكى ومحمود لايدرى ماذا يفعل أنقذ الموقف دخول الدكتور
نظر إليه قليلا ثم حقنه بمنوم ونظر غلى الوالدة وقال إنشاء الله ابنك بخير
بداء طاهر يتمتم ثم بداءت حركته تهداء ..وبداء تنفسه ينتظم
...........تلك كانت ايام
قاسى فيها طاهر مر الألم ..ومحمود وامه بجانبه ..والطبيب الشاب يبزل الجهد المستحيل ..الجرعات المتتابعة من المنومات والمسكنات بداءت تفعل فعلها
والجسد العصبى بداء يرتخى ..ويرتخى
أستمر هذا الحال عدة ايام
ثم بداء كلامه يقل رويدا ..رويدا
حتى أصبح قليل الكلام
بل وشحيح جدا ..و
والأيام تمضى ..

القطار الأخضر

القطار الاخضر